الصفحة الرئيسيةمراكش الذاكرة

نظام التعليم بين جامعتي القرويين وابن يوسف بمراكش

المراكشية : ذ. محمد الطوگي

توطئة: 

أشير في البدء إلى أن هذه قراءة تحليلية في خطاب لجلالة المغفور له محمد الخامس، يرجع إلى سنة 1943م.مفتاحه أو تيمته Thematique  المهيمنة، هي “النظام” وانعكاساته التنويرية على مختلف مناحي الجامعتين،القروية واليوسفية. بعد هذا أقول:

إن البحث في تاريخ التربية والتعليم في المغرب الحديث، يستلزم الرجوع إلى مجموعة من الوثائق والأعمال، من بينها خطب صاحب القرار السياسي الخاصة بهذا الشأن. ألقيت الخطبة، موضوع هذه الدراسة، خلال ربيع 1943م، على أساتذة القرويين وطلبتها، بمناسبة دورة الامتحانات برسم هذه الدراسة، خلال ربيع 1943م، على أساتذة القرويين وطلبتها، بمناسبة دورة الامتحانات برسم هذه السنة.

أول ما سنقف عنده في مستهل هذا التحليل، هو أهم الظروف والأحداث التي تميزت بها هذه السنة.إذا كانت السنوات الممتدة من 1912 م إلى 1936م، تمثل المرحلة المسلحة ضد المستعمر، وسنوات (1930م-1942م)، تمثل لحظة المعارضة السياسية الحضرية وحركة الإصلاحات، فان سنة 1943م هي مستهل حركة التحرر الوطني الذي سيفضي في نهاية المطاف إلى إلغاء معاهدة الحماية.(1)

ففي هذه الفترة نشطت الحياة السياسية المغربية، حيث أعلنت الأحزاب الوطنية، تباعا، المطالبة بالاستقلال، وكانت الظروف الدولية أنها مناسبة: فقد حاول “هتلر”و”موسولني”التقرب من الدول الإسلامية أما “تشرشل” وروزفلت”فقد عبرا من جانبهم- وذلك من اجل اجتذاب الشعوب إلى حرب الحرية ضد “هتلر”-في ميثاق الأطلسي عن تطلعهما العميق نحو الرفاهية والسعادة، وقد أكدا في توجههما إلى الشعوب المستعبدة، بالمادة الثالثة من الميثاق بأن “الأمم المتحدة… تتمنى أن تسترد حقوقها التي حرمت منها بالقوة”(2) ونعتقد أن خطاب المغفور له، جلالة السلطان محمد الخامس، يؤرخ لبعد ثقافي وتربوي من أبعاد حركة التحرر الوطني التي التحم فيها القصر والحركة الوطنية، يقول طيب الله ثراء:”خير ما نستزيد به النعم، حمد الله الذي لم يزل سبحانه يفيض علينا جزيل إحسانه، ويفعم لنا انهار امتنانه، فلا نزال نتقلب في مظاهر لطفه، ونشاهد دلائل عطفه، في وسط أحوال تعلمون شدتها، وبحور أهوال عمت أقطار الدنيا جميعا، وهل نجد برهانا على عناية الله بهذه الأمة، أقوى من انتشار معالم دينه القويم، وانفع من إشراق شموس الهداية بالتعليم، أزهرت رياض المعارف بعد ذبولها، وأشرقت أنوار الدين الحنيف بعد أفولها، ولا سعادة بدون علم، ولا يهتدي بغير رائده الرشيد”.(3)

وإذا فقد عرفت هذه عرفت هذه الفترة نهضة تعليمية، حيث ازدهرت رياض العلم بعد ذبول، وأشرقت أنوار الثقافة بعد أفول، إن مناط هذا الانبعاث العلمي والتربوي كامن فيما اصطلح عليه”بالنظام”، الذي ذكر في الخطبة مرارا، وتواتر إلى جانبه ذكر الإصلاح.

وإذن فما هو مفهوم النظام، وما الذي يباينه؟ هل الفوضى واللانظام؟ نعتقد أن الفوضى واللانظام مفهومان إشكاليان، ولهذا فإننا نفصل مقابلة النظام بما قبل النظام.

مرحلة ما قبل النظام:(4) قال عنها، طيب الله ثراه:”تعلمون الحالة التي وجدنا عليها التعليم “بجامع القرويين”، وما كان يهدده من الوقوع في هاوية الزوال، علماء يقلون، وطلبة يتشتتون، علوم تنقص بموت مزاوليها، وقلة ذات اليد تلزم المدرسين أن يهجروا العلم للارتزاق بمهن أخرى، لا مرشد خير يهدي الناس السبيل، ولا رائد رشد يورد من المعارف العذب السلسبيل”.

وقد فصل ” محمد بن الحس الحجوي الثعالبي”، وزير المعارف والتعليم آنذاك، ما أجمله الخطاب فبين مظاهر التردي في مستويات متعددة يقول عن جامع القرويين:

” ان القرويين لم يزل على حاله القديم، فمع كونه مسجدا دينيا مقدسا. هو محل تطوع مفتح الأبواب لإلقاء الدروس الدينية والعربية، وتلقيها من غير ان يكون به نظام، ولا ترتيب لسير دروسه، ولا للموظفين الدينيين المتخرجين منه، ولم تزل رواتب المدرسين به تافهة، على ما وقع في السكة النقدية من انحطاط، حتى صارت لا تسد خلة المدرسين، ولا تسل عن المعلمين، فصار جل المدرسين يتعاطى حرفة يسد بها رمقه، فتعطلت دروس، وأهملت فنون كانت فيه زاهرة يانعة”(5)

ويقول عن طرق التدريس:” فجل الدروس تكثر فيها المباحثات اللفظية، والمناقشات الواهية المتعلقة بألفاظ ” المختصر ” والألفية”، حتى ان الطالب يذهب لقراءة الفقه والنحو، فيرجع خاوي الوفاض منهما، ليس  في ذهنه سوى تصحيح لفظة من ” المختصر”، أو بيت بحث فيه ” أبو حيان” مع ” ابن مالك”، اما الحكم الفقهي الذي يقضي به القاضي ويفتي به المفتون، او القاعدة العربية التي يصلح بها التلميذ لكنته ، فقد ذهبا في أبحاث الباحثين.وجل دروس ” المختصر ” التي يحضرها المبتدئون يسرد فيها ” الزرقاني”، وكذلك ” الألفية” يسرد فيها التوضيح، وما أحوج المبتدئ” للجرومية” و” الرسالة”.(6)

ويقول عن مستوى الطلبة:” فالطالب المتخرج من ” القرويين” اضعف ملكة واقتدار من الطالب المتخرج من ” الأزهر ” بمصر، وكذا ” جامع الزيتونة” بتونس، على ان المتخرج من ” القرويين” لازم الدروس فيها سنوات 16، والمتخرج من الازهر ” لازم سنوات 4 فقط غالبا هذا كله سببه فساد” النظام ” في الأولي، وصلاحه في الثانية”(7)

” فالحجوي ” يعقد مقارنة ذكية بين خريجي” القرويين” ونظارئهم في ” الازهر ” و” الزيتونة”، ويلاحظ ان خريجي ” القرويين”، في فترة ما قبل النظام، يقضي السنوات ذوات العدد، ست عشرة سنة، وهو ملازم لحلقات القرويين، واذا ما قورنت هذه المدة المديدة، بما استضمر من ملكات، واكتسب من قدرات، فان هذه المردودية تبدو ضعيفة جدا، لا تؤهله للخدمة الناجحة في الوظائف الدينية او المخزنية، في حين يلاحظ ان الطالب المتخرج من “الأزهر “او ” الزيتونة”، يقضي في الحلقات الدراسية ربع ما يقضيه زميله المغربي، ويتخرج ممتلكا لقدرات متعددة، وملكات أقوى، ومستوى أعلى، ولا ترجع هذه المفاضلة الى بلاده الأول وفطانة الثاني، بل الامر كله كامن في اختلاف النظامين التربويين، احدهما عقيم، والثاني ناجح ومفيد، وما صدق على ” القرويين” ينطبق على ” الجامعة اليوسفية”، والحجوي وهو يفكر في الإصلاح يستحضر تجربتي المغرب العربي – تونس – والمشرق العربي مصر.

 هذه فكرة عن المفهوم التربوي لفترة ما قبل النظام، وننتقل الى النظام ودلالته، ومسيرة رفضه وتقبله، وماهي الغايات التي توخاها الملك من ورائه؟ وكيف تصوره المستعمر ؟ جاء في خطاب جلالة المغفور له محمد الخامس عن ” النظام” ما نصه:

 “ادركنا العناية الربانية فوجهنا همتنا لإصلاح الأحوال، وتدارك مهجة العلم مما كان يهدده من الاضمحلال، فأسسنا ” المجلس الأعلى للعلوم الإسلامية”.

 بأعتابنا الشريفة، ليباشر تحت اشرافنا انشاء نظام جديد بالمعهد القروي، فرتب مزاولة العلم به في ثلاث طبقات: ” ابتدائية”، و” ثانوية” و” نهائية”، وحدد لكل طبقة ما يقرأ بها من العلوم، كما حصر امد سني الدراسة فيها ، وعين المدرسين لكل واحدة منها، ورتب الرواتب الكافية ، ثم عين مراقبا لسير الدروس ، بعدما حصر الفنون والكتب التي تقرأ بها، وأوجب امتحانا سنويا لترقي الطلبة من طبقة الى طبقة ، واخرين للمتخرجين من سادسة الثانوي وثالثة النهائي الديني او الادبي، وجعل شهادتين بذلك يتمسك بهما أولئك المتخرجون، دليلا على تحصيلهم وتأهيلا لهم لنيل الوظائف الدينية او المخونية، ثم اخذنا شهادة أخرى لمتخرجي رابعة الثانوي تخفيفا على طلاب البادية، ولم تقتصر عنايتنا على إصلاح المعنويات، بل أمرنا بكل ما يستطاع من الإصلاح المادي، فقد شاهد الكل ما تم من إصـــــــــــلاح ” المدرسة المحمدية”، وباشرنا في الأسبوع الفارط افتتاح خزانة الكتب، وردهة اجتماع أعضاء المجلس التحسيني والمدرسين، وما يتبع ذلك من الأمكنة اللازمة لسيير شؤون الكلية على نمط يضمن لها الحياة ويسهل لها الرقي، اما مدارس سكنى الطلبة فلا تزال يدخل عليها الإصلاح المتواصل، من إنارة وغيرها، وعلى اننا نرجو في ذلك السبب مزيدا بعد مزيد ، ثم صرنا نتابع هذا الرقي بنفسنا متعهدين بإصلاح النظام كلما سنحت بذلك فرصة، قابلين ما يرد علينا من الآراء السديدة، فاتحين باب الإصلاح كلما سنحت فرصة للإصلاحات الجديدة.

ووجهنا كذلك جهودنا للنهوض ” بجامعة ابن يوسف “، فشملتها عنايتنا حتى تم نظامها على نمط نظام ” القرويين” من كل الوجوه، فصارت تعد بفضل الله بمستقبل زاهر منير، فازدهرت بذلك كله رياض العلوم الادبية والدينية ، ضامنة لنا بفضل الله السعادة الدنيوية والاخروية، على اننا لا نزال نسال الله تيسير المزيد ، واملنا فيه سبحانه قوي وطيد.

ثم انكم تعلمون ان من طبيعة الكون ان يستتبع الاصلاح اصلاحا ، بحيث لا ينبغي للانسان ان يقف في طريق التحسين ، بل المتعين هو مواصلة الجهود مادام المرء حيا، ذلك ما نعدكم به، ولا نزال بحول الله نجد في الصعود بشأن العلم واهله ، حتى نصل الى ابعد الغايات ، وتجنى الامة كلها ، في حقول ما ينير الاذهان، الذ الثمرات، الا انكم تعلمون ان يد الله مع الجماعة  وان المرء قليل بنفسه كثير باخوانه، فليوجه كل عنايته لبلوغ الامل وليجعل نفسه مثال اقتداء في حلبة العمل، على ان لنا ، ولله المنة والحمد ، احسن اسوة في سلفنا المجيد ، الذي امتاز بين الامم بالهداية والتسديد ، فما من سبيل يوصل الى السعادة الا سلكه، ولا ذخر من ذخائر للعرفان الا ملكه ، مهتديا في سبيل الفلاح ، بكتاب رب العالمين، وراقيا مدارج النجاح بسنة سيد المرسلين، الى الحسنى يتسابقون ، ومن حياض الرشد والسعادة يستقون، يستمعون القول فيتبعون احينه، ويرون حسن السبيل فيقتفون  سننه، حتى لا حوا في سماء المعالي نجوما، واعدوا لشياطين الضلال رجوما.

فعلى العلماء الا يكتفوا بابقاء الدروس الاعتيادية، بل ينبغي لكل واحد إلا يزال يجتهد في المطالعة وتحسين طرق التدريس، ويتابع الترقي في اسلوب التعليم،غير قائم بما يتيسر عفوا ، بل يوجب عليه اختصاصه بفن واحد ان يدب على البحث  والتنقيب، في كل وسيلة تستهل تبليغ العلم للطلبة ، وان يغتنم كل فرصة تسنح لتهذيب النشء اذ لا غاية كحسن التربية، لتنمية المواهب الطبيعية ، وتطهير الأخلاق الغريزية، ولينصحوا الطلبة بكل ما يحسن احوالهم، ويزكي مآالهم، ويسهل عليهم عقبات المسير، ويقرب لهم وسائل التيسير.

 ولينصحوا والدي الطلبة مهما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فلن تزال النصيحة للعباد على قوة الإيمان دليلا، ومن انجح النصائح، ان يحثوا الطلاب، على ملازمة التعلم الأمد الطويل فان ذلك من اكد شروط التحصيل، واننا لاجتهادهم شاكرون، ولاعمالهم في سبيل حفظ مهجة العلم حامدون، فلسنا نعلم طريقا لتحسين احوالهم الا العلم حامدون، فلسنا نعلم طريقا لتحسين احوالهم الا سلكناه، ولا سبيلا يضمن لهم السعادة الا مهدنا، بحول الله القوي المعين.

وعلى الطلبة ان يفعموا قلوبهم بمحبة أساتذتهم، وتعظيمهم تحسين ظنهم بهم، فانهم مهذبوا أرواحهم، والمجدون لتيسير فلاحهم، وليعلموا ان رابطة المحبة بين الاساتذة والطلاب، من امتن وسائل التحصيل وانفع الاسباب ، والذي نحث عليه جميع الاساتذة والطلبة، هو المحافظة على الوقت وملازمة ساعات التدريس، فلا يوتي النظام ثماره، اذ لم تلازموا اعتباره ، فهو شرطه الاول واساسه”.

اقترنت دلالة النظام الجديد، الخاص بالمعهد القروي، وجامعة ابن يوسف، بالترتيب والتحديد، والحصر ، والتعيين، والتأهيل والنهوض والتوجيه…الخ. فالمجال الدلالي لهذه الالفاظ يحيل على عقلنة الفعالية التربوية، وبما ان  النظام برنامج اصلاحي ، فقد تناول المؤسسة التربوية بمختلف مكوناتها، ونعتي بالمؤسسة التربوية، فضاء تكوينيا يجري به النشاط ثقافي يشرف عليه، ويقوم به طائفة من العلماء المختصين، ويستهدف تكوين مجموعة من الطلبة.كما تنصرف هذه الفعالية التربوية الى ترسيخ محتوى ثقافي معين في اذهان المتلقين، وسنحلل هذا القسم من الخطاب اعتمادا على مفهوم المؤسسة التربوية.

وسمت مؤسسة التعليم العالي بفاس، في هذا الخطاب ، تارة باسم جامع القرويين، وجامعة وبالمعهد القروي، وباسم الكلية. اما مؤسسة التعليم العالي بمراكش فدعيت بجامعة ابن يوسف، وهذه الاسماء هي المتداولة على الالسنة منذ ابتداء التفكير في النظام الذي شرع فيه بفاس سنة 1936م، وبمراكش سنة 1938 م، وعلينا ان نقف بلفظ الجامعة عند المدلول الذي اريد لها ان تحمله في هذا السياق، من غير تعديته الى المفهوم الغربي الحديث.

* مستويات هذا التعليم: 

رتب هذا التعليم في ثلاث طبقات .

ابتدائية .

ثانوية.

ج- نهاية، ذات توجهين احدهما شرعي والثاني ادبي.

 حددت مقررات كل طبقة على حدة ، وعدد سنواتها ، وكتبها المعتمدة، والمؤهلون للتدريس بها، وضرورة التزام الطلبة والاساتذة بالحصص المقررة عليهم في اوقاتها.

 ولا ينتقل من سنة الى سنة الا بامتحان، وتتوج نهاية كل طبقة بالنجاح في امتحان، يخول لمن وفق فيه الانتقال من الصف الادنى الى الاعلى، وما دمنا قد اشرنا الى الكتب المقررة على كل طبقة، فقد ارتات من المناسب أن اورد تصورا طريفـــــــــا ” للحجوي الثعالبي ” يتحدث فيه، آنذاك عما ينبغي أن تكون عليه الكتب المؤلفة لطلبة التعليم العالي في مادة النحو ، يقول :” الصنف الثالث : كتب تؤلف لاصحاب التعليم العالي في ” القرويين”، و” الزيتونة ” وامثالها تجمع جميع قواعد النحو ولا تشذ عنها شاذة، بجميع شروط كل قاعدة وقيودها،ومستثنياتها، وتأتي لكل قاعدة باصولها من الكلام العربي، ولاقران العظيم ، والسنة الصحيحة ، وتجمع ما هو متفرق من لاقواعد في “الالفية” وشروحها، ” كالاشموني ” وحواشيه و” المغني”، و” التسهيل” وكافية ابن الحاجب ، وكتاب سيبويه ، وشروحها بحيث لا يبقى الطالب محتاجا للبحث عن قاعدة ما في كتاب من كتب النحو المتفرقة، والتي لا يتيسر لكل احد امتلاكها ، وتهيئة لان يصير منشئا خطيبا من الدرجة الاولى عربيا حقا.

 لا اريد كتبا تختصر من الكتاب السالفة الذكر اختصارا ، بل اريد ممن يؤلف في النحو كتب الدراسة ان يثور ثورة مهولة جريئة على النحوين، فيكسر السجن الذي سجنونا وسجنوا فيه انفسهم، ويطلقنا من ربقة افكار المؤلفين ولا سيما المتأخرين ، فينبذ وراء ظهره الاسلوب الذي التزموه، وهو تضخيم على النحو ، وتكثيره وصيرورته علما عظيم الجثة بالعمامة والثياب ، حتى صار شبحا مخوفا، فحرموا من النفع به عموم الأمة، وكانوا سببا في ابعادها عن لغة القرآن ، وعن لغتها المحبوبة، وحرموها من التقدم وزوال الامية”.(8)

اما فيما يخص الشهادات فان النظام لم يعرف في بادئ الامر سوى شهادتين ، خصت احداهما بالسنة السادسة من الثانوي ، وتخول لحاملها ولوج الطبقة النهائية –التعليم العالي- التي توجت سنتها الثالثة بالشهادة العالمية .ثم استحدثت بعد ذلك شهادة خاصة بمتخرجي السنة الرابعة ثانوي-نهاية السلك الأول-استجابة لرغبة طلبة البادية، الذين رفعوا الى السدة العالية آنذاك ملتمسا جاء فيه:

 أولهما:”…ان الطلبة الافاقيين، يطلبون من جلالتكم، تخصيص بعض المدارس لهم، لأن عقلية الطلبة ليست واحدة متهيئة بالطبع لجميع العلوم التنظيمية.

 وثانيها: إن ما يحتاجه أهل البوادي بالبادية، وينتفعون به هو الفقه والنحو، لانهم حملة الدين بالبوادي.

 وثالثها: ان غالب اهل البادية لا تتجاوز إقامتهم بالمدرسة نحو الثلاث سنين، فلا تتسع إقامتهم، مع عقليتهم البسيطة، سوى الى شيء من النحو والفقه… ان أهل البوادي ينتشرون في بلادهم، والناس في اشد الحاجة الى أمور دينهم، من طهارة، وصلاة، وزكاة، وحج، وأحكام، فإذا رجع الطلبة قاصرين في هذه الأمور فارغين، فان ذلك من اشد الأمور خطرا على الطلبة خاصة، وعلى الناس عامة.إن أهل البوادي لا يسالون عن تاريخ ولا ادب ومنطق، وبيان، ولا يحتاجون اليه ما داموا يجهلون امور الدين الضرورية، وغاية ما يحتاجون، والذي يجب عليهم ان يعملوه هو أمور الدين”.(9)

لقد تفهمت الدوائر المخزنية فحوى هذا الملمس الذي يوضح باسلوب برهاني تعذر متابعة معظم طلبة البادية لكل ما جاء به النظام، من طبقات تتطلب ملازمة حلقات الدرس مدة اثنتي عشرة سنة، وانهم بحاجة ماسة الى تعليم متوسط، يراعي ظروفهم، ويؤهلهم للقيام بتعريب ساكنة البادية، وتعليمهم امر دينهم.

وفر التنظيم للمؤسسة الجديدة طاقما للتسيير يعنى بشؤونها التربوية والتعليمية والإدارية، ” كالمجلس الاعلى للعلوم الاسلامية “، و” المجلس التحسيني”، وتعيين الرئيس ومراقب الدروس، واقترن تطبيقه بتحسين الوضعية المادية للأساتذة، كما أولى هذا الإصلاح العناية اللازمة للبنى المادية الضرورية لنجاح النظام، كبناء المرافق الإدارية، وخزائن الكتب، وإصلاح المساجد ومدارس سكنى الطلبة.

 كما عالج التنظيم العلاقات التي ينبغي ان تتواشج بين مختلف مكوناته، فعلاقة الأستاذ بمادة اختصاصه ينبغي ان تكون بمنأى عن الاجترار، وعليه ان ينتج معرفة جديدة، عن طريق مواصلة البحث والتنقيب، وان يتطلع دوما الى تجديد طرق تدريسه، والا يعنى اثناء تكوين طلاب بالجانب المعرفي العقلي الصرف، دون الاهتمام بتنمية الجوانب الخلقية والنفسية والروحية.

ان القناة الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف لا تتأتى إلا بوجود نوع من التجارب بين الأستاذ وطلبته، وحينئذ فعلى الأستاذ أن يخلقه حتى يتسنى للطالب ان يستجيب، فيألف المادة ويحب الأستاذ، ويحترمه ويتعاطف معه، وبما ان حلقات الدرس مفتوحة بحضرها الى جانب الطلبة رواد غيرهم، وخاصة دروس ما بين العشاءين التي يرتادها عامة الناس، وفيهم آباء الطلبة، فقد وجه النظام نظر العلماء إلى توعية مجالسهم من غير الطلبة، بمسؤولياتهم ومنها المسؤولية التربوية، يقول ” الحجوي الثعالبي” عن المواظب على حلقات العلم من عامة الناس:” انه ليس بأمي بل هو عارف بما له وما عليه، عضو عامل في المجتمع، بخلاف الامي الجاهل بذلك، فانه كعضو اشل ضرره على مجتمعه اكثر من نفعه ( إلا نادرا وعلى خرق العادة لعدم تمييزه بين ماهو ضار او نافع، فربما اختار الضار على النافع من حيث لا يشعر، والأمي بسيط الفكر يخضع لكل مهيج، فيقع في شباك الفتانين بأقل إشارة بخلاف الذي يقرأ الكتب، ويطالع الجرائد، ويجالس فانه يكون مشاركا للعقلاء في تفكيرهم، لا تنطلي عليه حيل المحتالين غالبا”.(10)

ولقائل ان يقول: وما علاقة النظام بعامة الناس؟  فتقول: ان حلقات الدرس منفتحة، يقصدها الطالب المسجل، ومن اراد من الناس ان يستفيد وقد يكون فيهم أولياء التلاميذ، ثم ان المسؤولية الوطنية للعالم ، انذاك لاتقف عند حدود طلبته ، بل تتعداهم إلى آخرين، الى المجتمع خاصة في الظرف الحرج الذي كان كل المغاربة بعيشونه، وسنرى ابعاد ذلك فيما بعد.

ان النظام الجديد المطبق بديل عن قديم غير مجد، وتبدل الظروف وتغير الأحوال سيحيل الجديد قديما، وستدعو الحاجة إلى استبداله بما يناسب المستجدات، قال طيب الله ثراه، ” قابلين ما يرد علينا من الاراء السديدة، فاتحين باب الاصلاح كلما سنحت فرصة للاصلاحات الجديدة” ” ان طبيعة الكون ان يستتبع الاصلا إصلاحا، بحيث لا ينبغي للإنسان ان يقف في طريق التحسين”.

تلك قراءة في الخطاب الملكي الذي جاء بعد ان أعطى النظام بعض ثمراته في جامعتي ” القرويين وابن يوسف”، حاولنا تحليل محتوياته انطلاقا من مفهوم المؤسسة التربوية، كما عمدنا الى تنوير توجهاته، ومجمل قضاياه بالمناسب من النصوص، استقيناها من الكتابات الإصلاحية للفترة، وبصفة اخص اهمال وزير المعارف انذاك، بقي علينا ان نجيب على بعض التساؤلات من مثل: هل اخذ النظام بعين الاعتبار واقع المغرب الذي يرزح تحت نير الاستعمار ؟ وهل تضمن أهدافا وطنية توعي الناشئة بذلك الوضع، وتهيئهم للرد على تحديات المستعمر ؟ واذا وجدت تلك المقاصد فهل ادركها العلماء من الوهلة الاولى؟ وما هو موقفهم منها؟ تلك أسئلة ستحيلنا على مسيرة الإصلاح او النظام قبل ان يتجسد على ارض الواقع.

 في البدء لابد من الإشارة الى ان الهجمة العسكرية الاستعمارية على المغرب، التي انتهت باحتلاله، وفرضت عليه الحماية سنة 1912، قد استتبعت وضع كماشتها على اختصاصات المخزن، الذي كان يستعد للدخول في مجموعة من الإصلاحات، فاغتصبها منه المستعمر، ولم يزد على ان سرع من وتيرتها ووجهها لصالحه، وحينئذ بادر المخزن الى ما بقي بين يديه من سلطة دينية، فانطلق يباشر مجموعة من الاصلاحات الدينية والاخلاقية للمجتمع، وستكون الحركة السلفية، هي الاطار الوحيد وبامتياز التي ستهيء له الوسائل الكفيلة بتلك الاصلاحات، ولهذا فمن الخطأ الاعتقاد ان توقيع عقد الحماية لم يبق للسلطان أي دور في مقاومة منافسيه بل على العكس من ذلك فان السلطة الدينية التي بقيت له، حاول تكييفها حتى تواجه سياسة الاجنبي المغتصب، وهذا هو تفسير دلالة الحركة الت ابتدأت ” بابي شعيب الدكالي”، ثم تقوم بقاضي فاس الجديد ” ابن العربي العلوي”.(11) فمن خلال هذا الإطار السلفي سيستمد الإصلاح نسغه، ولهذا فان بعده السياسي ثاو في الانتماء لحركة ” جمال الدين الافغاني ” ومحمد عبده”، التي انطلقت من الحلقات الدراسية ” للازهر “، يقول ” محمد بن العربي العلمي “عن زعامة الازهر السياسية واشعاعاته:” نمخض الازهر في اواخر القرن التاسع عشر عن حركة اصلاحية شاملة، بيد أن هذه الحركة لم يكن رافعا لوائها ازهريا وانما كان فذا عبقريا من اولئك العباقرة الأفذاذ الذين قلما يجود الدهر بأمثالهم، ذلكم هو السيد جمال الدين الافغاني حكيم الشرق وامام النهضة الحديثة، وقطب دائرة الإصلاح، فما كاد السيد جمال الدين يستقر بمصر حتى اخذ على عاتقه مهمة إيقاظ الشرق من سباته العميق، وقد وجد في الأزهر تربة صالحة لغرس بذوره الطية التي لم تلبث ان أتت أكلها، فالتف حول السيد طائفة من الازهرين، هم قادة الفكر في الشرق الحديث. ورواد نهضته، وكان ابرز هؤلاء، وألمعهم الأستاذ الإمام ” الشيخ محمد عبده” قدس الله روحه”.(12)

وان المقارنة بين ما جاء به النظام، وإصلاح ” الأزهر ” آنذاك كاف لتقرير وتأكيد ما ألمعنا اليه، والكتابات الاصلاحية لوزير المعارف محمد بن الحسن الحجوي، كثيرا ما كانت تستحضر صراحة او ضمنا مزايا نظام الازهر.

 اذا كان هدف المخزن من النظام هو تحقيق الأبعاد التربوية والعلمية والوطنية، فان للمستعمر أهدافا أخرى، لقد تبنى الاصلاح، وحاول احتواءه وتوجيهه لصالحه، يقول R.Gaudefory: ” طرحت قضية اصلاح القرويين بمجرد اقامة الحماية الفرنسية على المغرب ، اهتم به المثقفون المغاربة لأنهم راو فيه نهضة للدراسات الاسلامية، هذا وان فرنسا لتعلم جيدا ان القرويين كان دائما مركزا لنشر الاسلام، وان نهضته يمكنها ان يؤجج شعور الكراهية والعداء تجاه فرنسا. ان امر القرويين يهمها، وهذه الاسباب التي ندعو فرنسا حسب P,Marty، الى المساعدة على النهوض بالقرويين.

1-…انه بالنسبة لفرنسا ميزة، حيث ستتمكن بواسطته من تجميع طلبة المغرب في القرويين وممارسة نوع من التوجيه الروحي عليهم بكل سهولة، ولهذا فانه حينئذ لا يمكن ان يسمح للمغاربة بإنشاء جمعيات للتعليم الاسلامي الحر، الذي تتعذر علينا مراقبته.

2-سيكون لهذا الاصلاح صدى طيب في العالم الإسلامي، وسيكون ورقة رابحة لفرنسا، لأنها ستظهر بمظهر المحافظ على التراث والعلوم الاسلامية.كما ان له نتائج على الصعيد الداخلي، فابناء الطبقة الميسورة سينجذبون الى دروس القرويين، ويلازمون فاس بدل ارتياد جامعات اسلامية خارج حدود الوطن.

3-اذا لم تبارد فرنسا الى الامساك بهذا الاصلاح، فانه سيجري باياد غير أيادينا، ولن يكون حينئذ الا ضدنا، ينبغي الحذر من اخذ الاجانب بمبادرة الإصلاح، واستغلال تطلع معظم الأساتذة، كما يظهر، وبرجوازية فاس الى تحقيقه، فتأثير الصحافة المشرقية، وخاصة منها التونسية له صدى طيب في فاس التي استقرت فيها جالية تونسية هامة.

4- ينبغي ” لجامعة القرويين” ان تكون ادرايين قادرين على التعاون مع فرنسا، اننا لا يمكننا ان نتعاون مع الادرايين المغاربة القدامى الذين تكونوا في القرويين، اننا بحاجة الى اداريين جدد ذوي عقلية منفتحة على الحضارة الحديثة، بدل اداريين تتداخل وظائفهم، وتتنازع مهامهم، يلزم تكوين اداريين مقتدرين، وبأخلاقية ادارية معتبرة”.(13)

 مسيرة النظام التاريخية، او الاصلاح بين تياري الرفض والقبول:

 اذا كان خطاب سنة 1943، قد احتفل بمرور سبع سنوات على تطبيقه ” بجامعة القرويين”، وخمس على الأخذ به في ” جامعة ابن يوسف “، فان المتتبع لمسيرة هذا النظام من يوم الدعوة إليه إلى تاريخ الشروع فيه، يتعريه نوع من الاستغراب الناجم عن تراخي وتطاول المدة الزمنية.

 عرض ” محمد بن الحسن الحجوي ” مشروع النظام على علماء القرويين في عهد المولى يوسف سنة 1914 لكن العلماء لم يستجيبوا له بسبب الظرفية الاستعمارية التي احتفت به، وبعد ثلاث سنوات أي سنة 1917 عاود نفس الوزير عرضه ثانية على العلماء ، وظل يدافع عنه، غير ان التيار المضاد بقي مهيمنا ، ومع ذلك اصر الحجوي على عرضه والدفاع عنه بالمواجهة والمحاضرة ، والكتابة ، الى ان تغلب تيار المثقفين المتنورين على التيار المحافظ ، فتراجع هذا الاخير، فجا ظهير 4 ذي الحجة 1351 هـ/ 31 مارس 1933، بتنظيم كلية فاس مع اعطاء مدة ثلاث سنوات مهلة ، لغاية ما يقتنع بجداوه، ليدخل  حيز التطبيق ابتداء من سنة 1936.

 اما عن اصداء النظام في جامعة ” ابن يوسف “، فيقول الاستاذ ” عبد الله ابرايهم” في معرض حديثه عن الحركة الوطنية في مراكش خلال الثلاثينيات، وكان زعيمها والشاهد عليها يقول:” ابتدأت هذه الحركة سنة 1934 في جماعة تنتمي الى الجامعة اليوسفية آنذاك، كان ابن يوسف انها يعج بالطلبة الافاقيين والمقيمين، وكان بين احضانه جماعة متفتحة من الطلبة يتراوح عدد افرادها بين 6 إلى 10 أشخاص، كانوا ينتمون إلى ” ابن يوسف”، لكنهم كانوا يتطلعون الى ماهو أحسن.فالدراسة في ابن يوسف” تتوفر على محموعة من الأساتذة كل واحد منهم يكرر نفسه، وكان التركيز بالدرجة الأولى على الفقه والنحو” الشيخ خليل والالفية هما الحكمة المخفية” كانت تدرس ” الاجرومية” وتخرج فيها عدة سلك، وشروح” الشيخ خليل”، و” شروح الالفية”، وقد كان من المطالب الأولى لهذه الجماعة تنظيم الدراسة، واتجاهها هذا اصطدم الاولى لهذه الجماعة تنظيم الدراسة ، واتجاهها عذا اصطدم بعراقيل من مجموعة من المحافظين، بدعوى ان الجماعة ستقدم هذا التعليم الديني الأصيل الى الفرنسيين.هذه حجتهم.ولا ينبغي ان نسخر منها فهي غير فاسدة، نعم ان فرنسا بامكانها ركوب هذا التنظيم لمراقبة التعليم في الجامعة اليوسيفية، فتترك ما تشاء، وتقف في وجه من تشم فيه شيئا من التمرد. على كل حال طالبنا بالتنظيم ونجحنا في تطبيقه ولم اكن منتظما فيه، بمعنى اننا كنا أحرارا في قراءة المواد التي نريد، وكنا على اتصال بكل ما يجري في الشرق، فعن طريق ” مصر” تعرفنا على ما يجري في “الهند”، تعرفنا مثلا على أفكار ” غاندي “، وتعرفنا على ” سعد زغلول”، وكان بعضنا  يحفظ نصوصه”.(14)

وإذا فقد نشأت مجموعة مراكش الوطنية في أحضان الجامعة اليوسفية وكان من بواكير نضالها المطالبة بتطبيق النظام وعلى غرار ما جرى به العمل في فاس، ولك يكن الصدع بهذا المطلب أمرا ميسورا، فقد كان التيار المحافظ له بالمرصاد، غير ان اخذ هذا المطلب بقوة، والإلحاح في الاستجابة له، والإقناع بجدواه، لم يلبث كل ذلك ان أتى أكله، يقول المرحوم، ” عبد القادر حسن” في استجواب له، نشر فـــــــي ” أنوال الثقافي “: ا.ث: حصلتم على شهادة العالمية من ابن يوسف؟

عبد القادر حسن: لم تكن آنذاك شهادات، ولا أي شيء من هذا النوع.فان ابن يوسف لم يكن منظما ، فنحن الذي طالبنا بتنظيم الدروس، على غرار دروس القرويين، فهي الوحيدة التي كانت آنذاك -1936-منظمة وتعطي شهادات، واذكر أن أول حركة قمنا بها في مراكش أنا والاستاذ عبد الله ابراهيم والمرحوم الملاخ، وبعض الطلبة القليلين سنة 1933-1934،هي تقديم عرضتين ساهم بامضائهما معنابعض العلماء على قلتهم، والحكاية برمتها اشرت اليها في مذكراتي التي ستطلعون عليها حينما يقدر لها ان تعرف النور.

-أ.ث: ماهو محتوى العريضتين؟

-عبد القادر حسن: العريضة الاولى كانت تطالب بتنظيم الدروس، على غرار القرويين، اما العريضة الثانية، فكانت تطالب بفتح خزانة ابن يوسف لعموم الطلبة، للاطلاع واستعارة الكتب ، ولم يسجب لهذه الرغبة الا بعد اكثر من سنتين، وبعد معاناة، والقيام بكل ما من شانه ان يعجل بهذين المطلبين”.(15)

 ارتبطت جماعة مراكش على غرار غيرها من الجماعات المغربية سياسيا وثقافيا بلحظة من لحظات المشرق، ومن خلاله كانت تتعرف على الحركات، التحررية في الشرق الاقصى، وقد وعت هذه الجماعة البعد الايديولوجي للنظام، فاخذت على غرار مثيلاتها بالسلفية، وفي هذا الاطار كانت تميز بين سلفيتين، يقول  عبد الله ابراهيم:” تنبغي الاشارة الى ان التيار السلفي تياران احدهما ثوري وهو تيار جمال الدين الافغاني ، واخر معتدل وهو تيار محمد عبده، وهو فكر فقهي مستحدت، وهذا الاخر هو الذي كان له دور كبير في المغرب”.(16)

 لقد حقق النظام أهدافه بالرغم من احتيال المستعمر على الركوب عليه، ولا أدل على ذلك من انبثاق الحركة الوطنية من حلقات ” جامعتي القرويين وابن يوسف”، وكانت دروس معظم العلماء تمتاح من ابعاد النظام التربوية والعلمية والسياسية، كانت دروس الزعيم ” علال الفاسي” تحمي الروح الوطنية، وتتهم سياسة المستعمر، وتفضحها وتحاصرها، ولهذا كانت اعين المستعمر تراقب هذه الدروس، وتتعسف أحيانا بالمنع والمتابعة والاعتقال يقول: Attillo Gaudio” بمجرد ما تخرج ” علال الفاسي” من جامعة القرويين، بادر الى التطوع بتدريس تاريخ الإسلام في هذه الجامعة، وكانت دروسه ملتقى للنخبة المتنورة من الشباب وعامة الشعب، وعندما علمت الحماية بما يدور فيها، منعت هذه الدروس وحاولت القاء القبض عليه”(17) وسارت السلطات الاستعمارية على نفس النهج في التنكيل بعلماء مجموعة ابن يوسف ، وليس من باب الصدف ان يقترن نفي ” الزعيم علال الفاسي” إلى الغابون سنة 1937، بالزج بنشطاء علماء ابن يوسف في غياهب سجون تارودانت، ومن هؤلاء شيخ الجماعة ” بلحسن الدباغ”، و” عبد القادر المسفيوي”، و” احمد بنفضيل” و” ابن عبد الرازق” و” عبد الله ابراهيم”،و” عبد القادر حسن”، اما ” المختار السوسي” فقد نفي الى ” الغ”.

ان النظام كما يظهر من خلال تحليلنا لخطاب 1943، برنامج اصلاح راهن على الرد على عدة تحديات ،  تربوية وثقافية وسياسية وقد نجح في جميع واجهاته المصرح به والضمني.

اما الجامعتان، بالمفهوم الأزهري لا الغربي، جامعة القرويين وجامعة اين يوسف، فقد كانتا مركزين شعت منهما انوار النظام، وأطبقت على بقية أنحاء المغرب شماله وجنوبه، شرقه وغربه.

 

 

 1 اعتمدنا في هذا التعقيب على ” البيرعاياش” في كتابه:المغرب والاستعمار ترجمة “عبد القادر الشاوي”و”نور الدين سعودي”.دار الخطابي الطبعة الاولى 1985.

 2 “ألبيرعياش”:المرجع السابق ص:397.

 3 مرجعنا في هذه الخطبة هو الثقافة المغربية السنة الثالثة العدد 8، ماي 1943.

 4 بالنسبة ” لجامعة القرويين” ما قبل : 1936.وبالنسبة ” الجامعة ابن يوسف” ما قبل :1938.

 5 ” محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي “: الفكر السامي .ج2 ص: 194.

 6 ” محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي “: كناش الحجوي الثعالبي .الخزانة العامة رقم :127 ح،

 7 ” محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي”: المصدر السابق .

 8 ” محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي”: نقد كتب الدراسة.” ” مجلة الثقافة المغربية” السنة6، العدد1، 1937-ص:19

 9 توجد نسخة من الملتمس بخزانة ” المرحوم الحسن الزهراوي”.

 10 محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي : نقد كتب الدراسة مجلة الثقافة المغربية، ص:17.

 11 مرجعنافي هذه الرؤية اطروحة ” عبد الله العروي”.Les origines du nationalisme Marocain(1830-1912).Edition Mastero,Paris1977.

 12 “محمد بن العربي العلمي”: الازهر والنهضة الفكرية في الشرق:” مجلة الثقافة  المغربية” العدد :8-1943-ص:247

13 R.Gaudefroy: L œuvre Française en matière d enseignement au Maroc.Paris,1928-P:43-44 et Paul Marty,L université du Quaraouine in le Maroc de demain ,publication du comité de l afrique.  

14  ” عبد الله ابراهيم”: من خلال مداخلة القاها ف كلية الحقوق بمراكش عام 1998م.

15  ” جريدو انوال الثقافي 19/11/1985ص:8

16  عبد الله ابراهيم المداخلة الشفوية السابقة .

arArabic