الصفحة الرئيسيةثقافة \ أبحاثمراكش الذاكرة

نبش في ذاكرة مراكش … حميد الزاهير التجربة الغنائية المجموعاتية

بقلم محمد بوعابد 

اهدي هذه الورقة إلى الصديق الاستاذ الفقيه محمد الطوگي

من ساحة جامع الفنا بمراكش خرجت انغام عوده لتجول في مختلف الآفاق رفقة مجموعة من الفنانين الشعبيين ذوي الشهرة في احياء المدينة الحمراء، والذين تميزوا بخفة الدم وضبط الإيقاعات باكفهم مع الأرجل، لدرجة ان انبهرت بادائهم الغنائي مع رقصاتهم كل الأمم والشعوب التي تيسر لها مشاهدتهم فوق الركح، فأعجبت بوصلاتهم الفنية، شعوب الشرق مثلما حدث لهم مع شعوب الغرب.

يقال إنه سليل سيدة كانت تمارس الغناء والرقص ضمن مجموعة فنية عرفت باسم “الشاميات”، في فضاء كان معروفا في حي ضبشي باسم “التياترو”، وهو الذي سيحمل بعد ذلك اسم ( قاعة السينما غزالة)، كما يذكر العالمون بسيرته ان والده كان جزارا، وقد عشق السيدة ( الشامية) فاقترن بها على سنة الله ورسوله، وظلت تلك الوالدة تحظى بالتقدير والاحترام الناجمين عن الحب الباذخ الذي كان يكنه لها ابنها الفنان.

يبدو ان الفنان حميد الزاهير كان قد شرع يشتغل بمفرده، إذ كان يقيم حلقته في ساحة جامع الفنا، ربما بدء من حصول المغرب على استقلاله… ثم لما انطلق فنانو المغرب الحديث يعملون بغاية صياغة إبداع موسيقي ذي سمات مغربية وينقبون من اجل صناعة غناء يفصح عن أصالتهم الحضارية، كان هذا الفنان قد انتبه إلى ما تزخر به مدينة مولده ونشأته، وما تتوفر عليه أحوازها من انماط غنائية، فاتخذ من مجموعة من الفنانين الشعبيين، كانوا معروفين باسم ( الموازنة والرشايشية)، وكانوا في العادة يصحبون فريقا موسيقيا يتكون من عازفين على الطبول الصغيرة والمزامير الشهيرة بالغيطات، لإيصال ” الهدية” من منزل العريس حتى دار العروس..

أقول اتخذ الزاهيري من هؤلاء الرشايشية مرافقين له، وعضدهم بمجموعة نسوية، فإذا كان هو العازف على آلة العود، فإن جماعة الموازنية مع النسوة كانوا يشتركون معه في الغناء مع التصفيق أو قرع بعض الآلات الموسيقية ( الصنوج والقرقبات والبندير…). وهكذا تمكن من استثمار ما كان يتوفر من إيقاعات وما كان يوجد في الريبيرتوار الغنائي المحلي، مثل اغنية: الليل الليل السيدي اعمارة… ثم صار يشكل ريبيرتواره الخاص مع فرقته منذ ان أهداه الفنان المغربي احمد جبران الاغنية الشهيرة: ( لالا فاطمة)، ويقال إنه كان قد استولى على اغنية: ( راه مراكش يا سيدي كله فارح بك) لفنان شعبي كان معروفا بلقب (شوارب الكذوب)… أما اغنية: ( آش اداك تمشي للزين) فهي من ألحانه ومن كلمات السيد عمر البوعليوي …

ويذكر العارفون بمسيرة هذا الفنان ان السيد بنفايدة كان من كتاب أغانيه التي تناولت العديد من الموضوعات الاجتماعية والوطنية خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وتذكر من الرشايشية الذين صحبوه في جولاته داخل الوطن وخارجه: عمر مهري، المختار عمي، الگعير، قنبر، حسن كسكاس، وغيرهم…
كنت دائما، وحتى هذه اللحظة، لا أستسيغ إطلاق نعت ( الظاهرة الغيوانية) على ما عرفته الساحة الغنائية المغربية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، وأوثر عليها نعت ( ظاهرة المجموعات الغنائية)، لأن ما حدث في اعتقادي حينئذ كان نتيجة لتضافر عوامل داخلية وطنية ومحلية مع عوامل دولية خارجية، فقد كان السؤال الرئيس المطروح على اهل الفن والثقافة هو كيف يمكن ان نسهم في إنتاج فكر وإبداع ينخرط في الزمن الحديث ويعكس ثورتنا الخاصة، وهو السؤال الذي عمل المفكرون: العروي،الجابري، الخطيبي…على تقديم إجابات  نظرية عليه، وسعى الفنانون المغاربة في المسرح والسينما والتشكيل والاغنية إلى عرض مساهماتهم فيه وعليه… وبخصوص الفنانين الموسيقيين والمغنيين،

أرى ان فكرة المجموعات الغنائية كانت مستمدة من مصدرين، اولهما داخلي: أحواش، اقلال، الحوزي…والثاني خارجي: البيتلز، والرولينغ ستون وغيرهم… وقد كانت مجموعة الإخوان ميگري تمثل الاتكاء على النموذج الخارجي، بينما مثلت النموذج الداخلي مجموعة حميد الزاهير، رغم غلبة الذاتية الفردية لقائدها.

arArabic