الصفحة الرئيسيةرأي

قيس سعيّد يقسّم التونسيين… ويطمس عصر الحريات

وسط اتهامات له بأنه تحوّل بالكاد إلى “امبراطور” جديد يحكم قبضته الحديدية على كافة السلطات في تونس، يواصل الرئيس قيس سعيّد سيره إلى الأمام غير عابئ بكل الانتقادات متوعدا الفاسدين بالويل والثبور، ومعاهدا التونسيين على ايجاد حل اقتصادي ناجع لهم بعد تخليصه من طبقة سياسية مارقة، والعودة سريعا إلى المسار الديمقراطي. إسماعيل دبارة يرصد لموقع قنطرة وجهات نظر مختلفة عن المستجدات في تونس.

على غرار مسيرة الأسبوع الماضي المؤيدة للرئيس التونسي قيس سعيد في العاصمة ومناطق أخرى في البلاد، استقطب شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس يوم الأحد (10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021) الآلاف التظاهرين من المعارضين للإجراءات الإستثنائية التي أتخذها سعيد.

تعيش تونس، المعقل الأول للربيع العربي، على صفيح ساخن منذ يوم 25 يوليو 2021، وهو التاريخ الذي شهدت فيه البلاد أكبر نكوص عن الإنجازات والحريات والمكتسبات التي حققتها “ثورة الكرامة” التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في 2011.

وكان تعليق الرئيس قيس سعيد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة حكومة هشام المشيشي، ثم تعيينه رئيسة وزراء جديدة بعد تمديد الإجراءات الاستثنائية، وعزمه تغيير قانون الانتخابات وفق رؤية جديدة مختلفة بشكل جذري عمّا ساد طوال 10 سنوات، يجعل البلاد تدخل منعرجا خطيرا يصفه البعض بـ”الانزلاق الى الاستبداد” نتيجة غموض مشروع الرئيس.

وفيما تواصل أحزاب ومنظمات مجتمع مدني تونسية التحذير مما تعتبره “تفرّد” الرئيس قيس سعيد بالسلطة، ومن أنّ قراراته المثيرة للجدل قد تغرق البلاد في أعمال عنف وفي أكبر أزمة اقتصادية في تاريخها الحديث، فقد أبدت الخارجية الأميركية يوم 7 أكتوبر قلقها وخيبة أملها “حيال التقارير الأخيرة من تونس التي تتعلق بحرية الصحافة والتعبير واستخدام المحاكم العسكرية للتحقيق في قضايا مدنية”، وحضّت الرئيس التونسي ورئيسة الوزراء الجديدة على “الاستجابة لدعوات الشعب التونسي في تحديد خارطة طريق واضحة للعودة إلى عملية ديمقراطية شفافة تشمل المجتمع المدني وكل القوى السياسية”. وجاء ذلك مع صدور بيان مثير للقلق من البنك المركزي التونسي تحدث فيه عن شح حاد في الموارد المالية للبلاد، مقابل حاجيات هامة لاستكمال تمويل موازنة الدولة لسنة 2021″.

إلى الشوارع سرْ

اتجه طرفا النزاع في تونس الى الشارع للتجييش أملا في الحصول على شرعية شعبية بعد قرارات الرئيس المستندة الى الفصل 80 من الدستور الحالي، لكن تلك الإجراءات الاستثنائية لا تلقى إجماعا من الشعب ونخبه، بل قسّمته إلى معسكرين يقفان على طرفي نقيض، الأول مع الرئيس والثاني ضد إجراءاته، وتجسّم ذلك من خلال المظاهرات الأخيرة في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة وهي تظاهرات باتت مألوفة نهاية كل اسبوع يتنادى اليها المعسكران.

أول تحرك احتجاجي علني في الشارع لخصوم الرئيس قيس سعيد منذ إعلانه قراراته بتجميد البرلمان في تموز/ يوليو الماضي.

خرج المئات من المتظاهرين التونسيين يوم السبت (18 أيلول/ سبتمبر 2021) إلى شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة تونس للمشاركة في وقفة احتجاجية ضد التدابير الاستثنائية وتجميد البرلمان. وتتهم المعارضة الرئيس التونسي قيس سعيّد بالانقلاب على الدستور وتجميع السلطات بين يديه، فيما يعتبر سعيد خطوته، التي اعتمد فيها على المادة 80 من الدستور نفسه، إنقاذا للدولة من “خطر داهم” كان يتهددها، وتلبية لإرادة الشعب.

ويعلّق الدكتور رابح الخرايفي، وهو محام لدى التعقيب وباحث في القانون الدستوري والقانون النيابي على ذلك بالقول إنّ الرئيس “استند الي الفصل 80 من الدستور الذي يخول له اعلان التدابير الاستثنائية عندما يكون هناك خطر داهم وحال يهدد حسن سير مؤسسات الدولة، والخطر تمثل في تحول البرلمان الي فضاء للعنف والسب والشتم فحاد بذلك على وظيفته التشريعية وأصبح خطرا على الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة للخطر الذي تمثل في استهتار الحكومة في تسيير الدولة وفشلها في إدارة أزمة وباء كورونا.

ويضيف الخرايفي لـموقع “قنطرة”: “هذا التأويل ممكن لرئيس الجمهورية طالما ان المحكمة الدستورية غائبة، لأنه وفق الفصل 72 من الدستور/ رئيس الجمهورية هو الذي يقرأ رسميا الدستور ولا توجد اي جهة أخرى تملك التأويل الرسمي”.

من جانبه، يرى جلال الورغي عضو مجلس الشورى في حركة النهضة التي كانت أكبر المتضررين من اجراءات قيس سعيّد الاستثنائية، أنّ التظاهر في الشارع شكل من أشكال حرية التعبير والاحتجاج، لكنه قد يحمل إن استفحل وتحول إلى الأداة الوحيدة في التعبير، علامة أزمة عميقة. المظاهرات والمظاهرات المضادة التي تشهدها تونس تعكس غيابا وانعداما لكل أشكال الحوار بين الفرقاء السياسيين.

ويفسّر الورغي، وهو أيضا مدير المركز المغاربي للبحوث والتنمية: لقد أكد سعيد منذ إعلانه في 25 يوليو أنه لا حوار إلا ما الشعب، وأنه يرفض الحوار مع من فعّل الإجراءات الاستثنائية ضدهم. وإلى الآن يفضّل الرئيس عدم الحوار مع أي طرف. فهو يرفض الحوار ليس فقط مع الأحزاب السياسية التي من الواضح أنه يحمّلها مسؤولية الأزمة، وإنما يرفض الحوار أيضا مع المنظمات الوطنية والاجتماعية على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل.

وهذا ما جعل غالبية الأطراف تعلن اليوم حسب الورغي، رفضها لتمشي سعيد، لأنه يكرّس الحكم الفردي، ويريد أن يفرض مقاربة لمعالجة الأزمة دون تشاور مع مكونات المشهد السياسي والاجتماعي. وفي المحصّلة يعكس اللجوء للشارع للتظاهر واستعراض القوة، غياب وسائط أخرى للتواصل. وهو أمر غير طبيعي في المشهد التونسي، الذي عرف عنه منذ الثورة إلى اليوم انه محكوم رغم كل سلبياته بفكرة الحوار والتوافق.

ويضيف القيادي النهضاوي جلال الورغي: “ما يقلقني أن يغذي التظاهر والتظاهر المضاد الانقسام ويعمّق القطيعة في وقت أشد ما نحتاجه فيه للعقل والحكمة. والذين احتكموا للشارع والمغالبة في بلدان أخرى يدفعون اليوم ضريبة باهظة من دماء أبناء شعبهم، احترابا أهليا وتهديدا للسلم المجتمعي.

https://ar.qantara.de/content/تونس-الانزلاق-مجددا-إلى-الاستبداد-أمر-وارد-قيس-سعيّد-يقسّم-التونسيين-ويطمس-عصر-الحريات

المصدر : موقع قنطرة الألماني

 

arArabic