الصفحة الرئيسيةأخبار العدوان على غزة

الصراع في إثيوبيا: كيف حطم مقاتلو جبهة تحرير شعب تيغراي الجيش الإثيوبي؟

أحد أفراد القوات الفيدرالية الإثيوبية يحمل شمعة خلال حفل تأبين لضحايا نزاع تيغراي الذي نظمته إدارة المدينة في أديس أبابا، إثيوبيا، في 3 نوفمبر 2021

الجيش الإثيوبي، الذي كان في يوم من الأيام أحد أقوى الجيوش في القارة الأفريقية وحظي باحترام الولايات المتحدة، واجه مؤخراً خسائر فادحة على الخطوط الأمامية من المعارك مما أجبر الحكومة على اتخاذ خطوة غير عادية بدعوة المواطنين العاديين للانضمام إلى الحرب ضد مقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي.

قبل عام أقصى الجيش الأثيوبي جبهة تحرير شعب تيغراي عن حكم إقليم تيغراي الشمالي لكن مقاتلي الجبهة يسيطرون الآن على بلدة تلو الأخرى في زحفهم نحو العاصمة أديس أبابا.

يوضح فيصل روبل، الخبير في شؤون منطقة القرن الأفريقي، والمقيم في الولايات المتحدة، أن “مقاتلي جبهة تحرير شعب تيغراي قاموا باستنزاف الجيش الحكومي أولاً من خلال حرب العصابات في تيغراي وشن هجمات كر وفر، ثم انتقلوا إلى مرحلة المواجهة المباشرة مع الجيش للإجهاز عليه”.

لكن أشاميله تاميرو، الاقتصادي والمعلق السياسي الإثيوبي، يعتقد أن تقدم الجبهة “مؤقت” ويقول: “الإثيوبيون من مختلف المنابت والمشارب ينهضون للدفاع عن إثيوبيا وإنقاذها”.

مقاتل من جبهة تحرير شعب تيغراي يسير باتجاه حقل آخر في مركز نصب تيغراي التذكاري للشهداء في ميكيلي، عاصمة منطقة تيغراي، إثيوبيا ، في 30 يونيو 2021
 

وقال رئيس التحرير السابق في خدمة التيغراي في بي بي سي صموئيل غبهريهوت إن تكتيكات مقاتلي الجبهة تذكره بتجربته كمقاتل إريتري شاب، إلى جانب التيغرايين الذين قاتلوا ضد نظام مينغيستو هيلا مريام في إثيوبيا حتى الإطاحة به في عام 1991.

كانوا “مسلحين بأسلحة خفيفة وسريعي الحركة للغاية وبالكاد كانوا يحصلون على الطعام للبقاء على قيد الحياة وأظهروا مقاومة وعزيمة لا تلينان”.

مراهقتي (Morahakaty)

نالت إريتريا استقلالها، في حين استولت جبهة تحرير شعب تيغراي على السلطة في إثيوبيا وانتهت هيمنتها السياسية على البلاد في عام 2018 بعد احتجاجات حاشدة.

انسحب قادة الجبهة إلى إقليم تيغراي حيث أطلق أفرادها الرصاصة الأولى في الصراع الحالي في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عندما شن مقاتلوها هجوماً على قاعدة عسكرية فيدرالية بدعم من أنصارهم في الجيش بمن فيهم القادة والجنود الذين انشقوا بعد ذلك وانضموا إلى صفوف الجبهة.

لم يتم الاستيلاء على مخزون ضخم من الأسلحة فحسب، بل قُتل أو أُسر الآلاف من الضباط والجنود رفيعي المستوى الذين قاوموا.

وقال أشاميله: “لقد أسفر الهجوم الليلي على القاعدة عن جعل إثيوبيا بلداً بلا جيش فيدرالي بالمعنى الحرفي للكلمة”.

إلا أن الجيش بمساعدة من الجيش الإريتري، والقوات والميليشيات من منطقة أمهرة الإثيوبية تجاوز النكسة، وشن غارات جوية وهجمات برية نجحت في إزاحة الجبهة عن السلطة في تيغراي في أقل من شهر.

وارتكبت هذه القوات فظائع على نطاق واسع ضد المدنيين حسب قول صموئيل غبهريهوت بما في ذلك الاغتصاب والقتل وحرق المحاصيل مما دفع أبناء التيغراي من “جميع شرائح المجتمع إلى الانضمام إلى جبهة تحرير شعب تيغراي من أجل صون كرامتهم”.

“قال الآباء لأبنائهم: “بدلاً من الموت في المنزل اذهبوا وقاتلوا”.

لقد أصبحت حرباً بين أهالي تيغراي والجيش وليست مجرد حرب بين الجيش والجبهة.

سكان توغوغا المصابون، وهي قرية تبعد حوالي 20 كيلومتراً غرب ميكيلي ، حيث ضربت غارة جوية مزعومة سوقًا تاركة عدداً غير معروف من الضحايا في ميكيلي ، عاصمة منطقة تيغراي ، إثيوبيا ، في 23 يونيو ، 2021.

تسببت الضربات الجوية للجيش الإثيوبي في سقوط العديد من الضحايا في تيغراي

 

وفقاً لروبل توجه الجنرالات السابقون الذين تقاعدوا أو انشقوا إلى الجبال في تيغراي لتشكيل قوة دفاع تيغراي كجناح عسكري لجبهة تحرير شعب تيغراي لضمان تنظيم عشرات الآلاف من المجندين الجدد بشكل جيد.

وقال روبل: “شعر هؤلاء الجنرالات أن من واجبهم حماية مواطني تيغراي. وبناء على معرفتهم الدقيقة بالجيش خططوا لإلحاق الهزيمة به”.

ومع وجود مقاتلي التيغراي على بعد أقل من 300 كيلو متر من العاصمة، يبدو جلياً أنهم يتمتعون الآن بالتفوق على جيش كان في السابق أحد أقوى الجيوش في إفريقيا، على حد قوله.

“إثيوبيا كانت الشريك الأول لأمريكا في ما يسمى بالحرب على الإرهاب في القرن الإفريقي، خاصة في الصومال، حيث أنهت سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية، خرجت من رحمها حركة الشباب، على الصومال.

“موّلت الولايات المتحدة الجيش وزودته بالأسلحة، بل وزوّدت جنودها بوجبات طعام جاهزة أيضاً”.

وقد اعتمد الاتحاد الإفريقي على الجيش الإثيوبي في مهام حفظ السلام، لكن إثيوبيا نفسها الآن غير مستقرة وبات جيشها هزيلاً لا يقارن بما كان عليه في السابق.

انشقاق وإحباط

بدأت المتاعب تواجه جبهة تحرير شعب تيغراي عندما تولى رئيس الوزراء أبي أحمد منصبه في أبريل/نيسان 2018 بعد أن نظمت أعداد كبيرة من الناس من أكبر مجموعتين عرقيتين في إثيوبيا – الأورومو والأمهرة – احتجاجات ضد حكم الجبهة الذي استمر 27 عاماً.

اقترح أبي إصلاحات شاملة، مما تسبب في خلافات عميقة مع الجبهة.

قال روبل: “يشكل أبناء التيغراي حوالي ستة في المئة فقط من السكان، وعندما كانت الجبهة على رأس الحكم، أنشأت نظاماً فيدرالياً منحت من خلاله الجماعات العرقية أقاليمها الخاصة بها لتديرها”.

وتابع روبل: “أدركت الجبهة أن أبي أحمد الذي ينتمي لعرقية الأورومو يريد أن يجعل السلطة في البلاد مركزية، مما تسبب في خلاف كبير بينهما أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب”.

وقال ألكس دي فال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي ومقرها الولايات المتحدة، إن أبي شرع أيضاً في إدخال إصلاحات في الجيش لضمان ولائه له، والحد من هيمنة التيغراي عليه.

“كان أبناء التيغراي يشكلون حوالي 18 في المئة من الجيش بأكمله، وحوالي ضعف ذلك في سلك الضباط. كانت أعدادهم غير متناسبة مع نسبتهم السكانية. قام أبي ببعض الإصلاحات بهدف طرد عناصر التيغراي من الجيش، وأنشأ حرساً جمهورياً تلقى تدريباته على يد الإمارات العربية المتحدة”.

“حطت تلك التغييرات من معنويات الجيش، ولم يعد قوة متماسكة. لم يمتلك أبي أحمد الوقت لإعادة تشكيله قبل اندلاع الحرب”.

وقال دي فال إن من بين فرق الجيش العشرين، انهارت عشر منها تماماً، كل واحدة منها كانت تضم حوالي 5000 جندي وقتل ما لا يقل عن 10 آلاف جندي ووقع عدد مماثل في الأسر.

حاولت بي بي سي الحصول على تعليق من المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الإثيوبية، لكن لم تتلقى أي جواب.

بعد استعادة السيطرة على معظم مناطق إقليم تيغراي في يونيو/حزيران، شنت الجبهة هجوماً على إقليمي أمهرة وعفر المجاورين، بينما دعا أبي جميع الإثيوبيين الأصحاء للانضمام إلى الجيش والميليشيات للمساعدة في هزيمة الجبهة.

 

وقال دي فال: “لوقف تقدم التيغراي، شن الجيش في أمهرة، هجمات مستخدماً موجات بشرية متلاحقة من الفلاحين والطلاب وشباب المدن للزحف على مواقع الجبهة”.

كانوا متحمسين للدفاع عن أرضهم لكنهم لم يتلقوا سوى تدريبات أساسية لبضعة أسابيع فقط.

“في بعض الأحيان، كان أفراد الموجة الثانية لا يحملون حتى البنادق، وقتل الآلاف وربما عشرات الآلاف منهم على يد قوات التيغراي”.

“إن ذلك يخلق وضعاً معقداً فيما يتعلق حقوق الإنسان لأنه لا يمكن فيه التمييز بين المقاتل والمدني. كما أنه يزيد العداء بين أبناء البلاد وخاصة بين الأمهرة والتيغراي مما يجعل تحقيق السلام والمصالحة أكثر صعوبة”.

ينفي اشاميله لجوء الحكومة إلى ذلك التكتيك قائلاً إن الشباب اضطروا للدفاع عن الأحياء التي كانت تتعرض لهجوم من المتمردين عندما لم تكن هناك قوات نظامية قريبة.

“لم يكن بإمكانهم المكوث في المنزل مكتوفي الأيدي بينما كان مقاتلو جبهة تحرير شعب تيغراي ينتقلون من بيت إلى آخر لمطاردة أبناء الأمهرة وذبح الأمهات واغتصاب الفتيات”.

في أحدث خطوة لاستعادة زمام المبادرة، فرضت الحكومة الفيدرالية حالة الطوارئ التي تمنحها حق تجنيد “أي مواطن في سن التجنيد لديه أسلحة” واستدعاء الضباط المتقاعدين إلى الخدمة.

كما أعلنت حكومة إقليم الأمهرة عن إجراءاتها الخاصة، حيث أمرت بإغلاق جميع المكاتب الحكومية وطلبت من المواطنين إتاحة سياراتهم لاستخدامها في الحرب عند الحاجة.

وقال دي فال، إنه من غير المرجح أن تجدي هذه التحركات نفعاً.

“يمكنهم حشد أعداد كبيرة من المقاتلين لكن هيكل القيادة والسيطرة في الجيش تفكك. والجيش كمؤسسة بني على مدى سنوات بهدف مشترك وعقائد وافكار مشتركة”.

لكن الخبيرة الأمنية المقيمة في كندا آن فيتز جيرالد، تعتقد أن مقاتلي الجبهة قد تكبدوا خسائر أكبر بكثير، قائلة إنها هي التي تستخدم تكتيك “الموجات البشرية” كإجراء يائس للسيطرة على الطرق الاستراتيجية ولتعزيز موقعها التفاوضي.

وتقول فيتز-جيرالد، إن الجيش صامد حالياً في مواقعه، حيث أشارت تقارير محلية إلى إحباط 12 محاولة من جانب الجبهة للاستيلاء على مدينة ميل القريبة من الطريق المؤدي إلى موانئ جيبوتي البالغة الأهمية للدولة الحبيسة.

وتشارك جبهة تحرير شعب تيغراي أيضاً في هجوم يهدف إلى فرض الحصار على أديس أبابا التي يزيد عدد سكانها عن خمسة ملايين نسمة.

يقول صموئيل: “تريد الجبهة الضغط على حكومة أبي أحمد للجلوس على طاولة المفاوضات ولا أعتقد أنهم سيدخلون أديس أبابا، فهم لا يتمتعون بشعبية كبيرة هناك”.

ويقول البروفيسور دي فال، إن الحكومة تواجه “هزيمة عسكرية، لكن الجبهة لا يمكنها أن تدعي الانتصار لأن ذلك يجب ان يترجم إلى إنجاز سياسي”.

“إن الجبهة بحاجة إلى دعم وتعاون عدد كاف من الفاعلين السياسيين، وهو غير متوفر حالياً، لذلك لا مفر من الدخول في مفاوضات وسيكون الهدف الأساسي لها ضمان مستقبل تيغراي”.

arArabic