الصفحة الرئيسيةرأي

هزيمة البيجيدي بعيون أجنبية ..التسونامي الذي يؤشر إلى نهاية الحزب

رئيس الحكومة المغربية المنتهية ولايتها وزعيم حزب "العدالة والتنمية" سعد الدين العثماني
رئيس الحكومة المغربية المنتهية ولايتها وزعيم حزب “العدالة والتنمية” سعد الدين العثماني صورة ملتقطة من شاشة فرانس 24

تلقى حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي في الانتخابات التشريعية، التي أجريت الأربعاء، صفعة قاسية، بعدم تجاوزه عدد المقاعد المحصل عليها 12، وفق النتائج التي تم الإعلان عنها الخميس بعد فرز 96 من المئة من الأصوات في وقت كان يرشحه محللون لإمكانية الفوز أو الحلول في المراتب الأولى على الأقل.

وقاد الحزب الإسلامي الحكومة في المغرب لولايتين متتاليتين منذ 2011 في سياق ما عرف بـ”الربيع العربي”، الذي أفرز الحركة الاحتجاجية “20 فبراير”، دفعت القصر إلى إجراء تعديلات دستورية على عجل، منحت صلاحيات موسعة للحكومة، وإن ظل الملك يحتفظ بسلطة القرار في القضايا الاستراتيجية للبلاد.

للمزيد – المغرب: ما أسباب هزيمة “العدالة والتنمية”؟

وتصدر نتائج هذه الانتخابات “التجمع الوطني للأحرار”، المصنف ضمن الأحزاب الليبيرالية التي ظلت باستمرار في كراسي المسؤولية، ويرأسه رجل الأعمال المعروف عزيز أخنوش، بحصوله على 97 مقعدا من أصل 395، فيما عادت الرتبة الثانية إلى “الأصالة والمعاصرة” بـ82 مقعدا.

ويفرض الدستور المغربي أن تعود الوزارة الأولى للحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد. وينتظر أن يسمي الملك محمد السادس خلال الأيام المقبلة رئيس وزراء من حزب “التجمع الوطني للأحرار” خلفا لسعد الدين العثماني الذي فشل بدوره في الفوز بمقعده بهذه الانتخابات بالرباط. واختار الملك العثماني لرئاسة الحكومة في 2016 بعد فوز “العدالة والتنمية” بأكبر عدد من المقاعد في الاستحقاقات السابقة (125 مقعدا)، وعدم تمكن أمينه السابق عبد الإله بنكيران من تشكيل حكومة.

رحيل العثماني

ومع رحيل العثماني عن رئاسة الحكومة، يكون المغرب قد وضع حدا عبر صناديق الاقتراع لوجود إسلاميي “العدالة والتنمية” في السلطة منذ عشر سنوات، الذي ربما لم يستثمر الفرصة بوجوده في السلطة لتعزيز شعبيته بل فقد الكثير من بريقه داخل الطبقات التي كانت تصوت له، وكانت تعتقد أنه يمكن أن يشكل بديلا حقيقيا لبقية الأحزاب في قيادة البلاد إلى جانب القصر في مرحلة جديدة.

ولم يتصور المراقبون أن تكون هزيمة “العدالة والتنمية” بهذا الحجم. واعتبرت انتكاسة حقيقية لأول حزب إسلامي يتولى المسؤولية الحكومية، قلصت من حجمه السياسي بشكل قياسي، وأعادته إلى مرحلة البدايات في 1997 كحزب صغير كما يفسر الخبير الدستوري المتخصص في الشؤون البرلمانية والحزبية رشيد لزرق لفرانس24، إذ نجح وقتها في تحقيق اختراقات بالمؤسسات المنتخبة إلى أن انتزع رئاسة الحكومة عام 2011.

وبلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات 50,35 بالمئة وفق ما أعلن وزير الداخلية، علما أنها المرة الأولى في تاريخ المملكة التي تجري فيها في اليوم نفسه انتخابات برلمانية ومحلية وجهوية، وهي نسبة مهمة بالنظر لنسبة التصويت في آخر انتخابات برلمانية التي بلغت 43 بالمئة، ويفسرها بعض المراقبين بأنها تعكس رغبة عدد من الناخبين في إخراج الإسلاميين من الحكومة.

“فأغلب المواطنين فقدوا ثقتهم في الأحزاب بعد الولايتين التي قضاها العدالة والتنمية على رأس الحكومة. خاصة وأنه وصل إلى الحكومة في خضم الربيع العربي في 2011 وبعد دستور جديد، يعني في سياق كان فيه المغاربة متحفزين ومتطلعين إلى تدبير شفاف نزيه ويحمل الكثير من الحقوق إلى فائدتهم”، يقول رئيس “المركز المغربي للتفكير والتطوير” رشيد طريبق في حديث لفرانس24.

لماذا فشل “العدالة والتنمية”؟

هذه الهزيمة المدوية كانت لها أسبابها طبعا. وبالنسبة لرشيد لزرق، فقد جاءت نتيجة عوامل متعددة، بينها “فعل المبالغة في لعبة تبادل الأدوار للعدالة والتنمية، التي تفطن لها الشارع المغربي، بين الجناح المزايد الذي يقوده عبد الإله بنكيران و الجناح البرغماتي” الذي يمثله رئيس الحكومة المنتهية ولايتها سعد الدين العثماني، “نهايك عن كون جناحها الدعوي لم ينزل بقوة، كلها هذا عطل الآلة الانتخابية للعدالة و التنمية”.

كما أن المناخ الإقليمي الذي خدم الأحزاب الإسلامية المشاركة في اللعبة السياسية بأكثر من بلد عربي، لم يعد في صالح “العدالة والتنمية” اليوم، حسب لرزق، “وبالتالي تقهقرت” شعبيا، خاصة أنها استغلت الوتر الديني لسنوات في الاستقطاب، مدغدغة شعور كتلة ناخبة مهمة أيام وجودها في المعارضة، لكن هذه الكتلة في معظمها ملت من الشعارات، وتحتاج لحكومات قادرة على تغيير ظروف عيشها اليومية.

بالنسبة للزرق، نتائج هذا الحزب بالانتخابات التشريعية، تشكل “فعلا تسونامي سياسي داخل ’العدالة وللتنمية‘، وتجعل من التجربة المغربية، هي الوحيدة في المنطقة التي أسقطت فيها صناديق الاقتراع الإسلام السياسي”، المشارك في اللعبة السياسية والذي يخوص غمار امتحاناتها الانتخابية.

هل تضرر “العدالة والتنمية” من سير العملية الانتخابية؟

بعض المحللين يعتقدون أن “العدالة والتنمية” استبق الهزيمة بمحاولة توجيه اتهامات حول العملية الانتخابية، وجسد، بحسبهم، الظهور الإعلامي للأمين العام السابق ورئيس أول حكومة يقودها الإسلاميون عبد الإله بنكيران البعض من ذلك، إذ قال في آخر مباشر له على فيس بوك بعد غياب دام مدة طويلة، إن “رئاسة الحكومة تحتاج شخصية سياسية نزيهة نظيفة ليس حولها شبهات”. فيما وصف عزيز أخنوش زعيم “التجمع الوطني للأحرار” الفائز في هذه الانتخابات، وقتها هكذا تصريحات بأنها “إقرار بالهزيمة”.

كما أن الحزب انتقد كثيرا سير العملية الانتخابية قبيل إغلاق مكاتب الاقتراع، وأعلن أنه سجل “استمرار التوزيع الفاحش للأموال في محيط عدد من مراكز التصويت، دون تدخل السلطات المعنية”.

وذكر في بيان أنه حصل “ارتباك في لوائح التصويت بعدد من المكاتب مما حرم عددا من الناخبين من القيام بواجبهم”، ودعا في الوقت نفسه السلطات إلى “التصدي لهذه الخروقات الخطيرة بصرامة”.

لكن وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت أكد ليل الأربعاء الخميس أن “عملية التصويت مرت ظروف عادية، باستثناء بعض الأحداث المعزولة التي لم تؤثر على سيرها”، مشددا على “الاحترام التام لسرية الاقتراع ونزاهة عمليات الفرز والإحصاء بحضور ممثلي لوائح الترشيح”.

وخاض الحزب الإسلامي هذه الاستحقاقات وفق نظام انتخابي جديد، انتقده كثيرا، يقسم بموجبه مجموع الناخبين المسجلين على عدد المقاعد بدل عدد الأصوات الصحيحة، واعتبر أنه “يستهدف حظوظه”، بينما يقيمه رشيد لزرق على أنه “أكثر عدالة”.

ومع هذه النتائج الكارثية لهذا الحزب، أصبح مستقبله السياسي محط تساؤلات، خصوصا وأن أغلب المراقبين يؤكدون أن العودة لإشعاعه الشعبي السابق على المدى القريب بات شبه مستحيل. ولا يمكنه اليوم أن يعيش أكثر إلا من داخل كراسي المسؤولية، لكن حزب “التجمع الوطني للأحرار”، الفائز في هذه الانتخابات، لم يبد أي حماس في إشراكه بالحكومة المقبلة. فهل انتهى حزب “إخوان” بنكيران؟

المصدر : فرانس 24

arArabic