الصفحة الرئيسيةمنوعاتملفات خاصة

عن صلاة التراويح وتطورها التاريخي1

في هذا المقال؛ سنقدم نبذة تاريخية عن صلاة التراويح ، هذه الشعيرة المحببة إلى القلوب المؤمنة في شهر ‏القرآن، فنروي باختصار كيف ‏بدأت منذ فجر الإسلام، ونرى بعض ما اعتراها تاريخيا من مسحات اجتماعية كادت تخرجها من حيز ‏العبادات (الدين) إلى دائرة العادات ‏‏(التدين)، ونكشف جانبا من تأثرها بتاريخ المسلمين ومؤثراته المختلفة عقديا وفقهيا ‏وسياسيا ‏واجتماعيا، وكيف تعطلت أحيانا بعوامل مختلفة، ثم نعرض لذكر مشاهير من أعلام جمْعها أئمةً ومأمومين. ‏وسنكتشف -أثناء ذلك كله- أن كثيرا من ‏ممارساتنا المقترنة بهذه الشعيرة العظيمة لم تكن وليدة اليوم، بل ورثناها جيلاً عن جيل منذ حقب متطاولة.

مبادرة عُمَرية

يلخِّص لنا العلامة ابن المِـبْرد الحنبلي (ت 909هـ/1503م) -في كتابه ‘محض الصواب‘- أصلَ نشأة صلاة التراويح في الإسلام ‏بقوله: “لا يتوهَّمْ متوهِّمٌ أن التراويح من وضع عمر (بن الخطاب ت 23هـ/645م) -رضي الله عنه- ولا أنه أول من وضعها، بل كانت ‏موضوعة من زمن النبي ﷺ، ولكن عمر.. أول من جمع الناس على قارئ واحد فيها، ‏فإنهم كانوا يصلون لأنفسهم فجمعهم على قارئ واحد…، وسُمِّيت ‘التراويح‘ [بهذا الاسم] لأنهم ‏يستريحون فيها بعد كلّ أربع”.

وقبل ابن المِـبْرد بستة قرون؛ حدد لنا الإمام الطبري (ت 310هـ/922م) تاريخ صدور أمْر عمر بجمع ‏الناس لصلاة التراويح فقال -في تاريخه- إنه كان في سنة 14هـ/636م “وكتب بذلك إلى البلدان وأمرهم به”.

وقد ‏خصص عمر قارئا للصلاة بالرجال وآخر للنساء؛ لكن يبدو أن أمهات المؤمنين لم يكنّ –نظرا لمكانتهن الخاصة- يشهدن تراويح النساء العامة، كما يُفهم ذلك من الأثر القائل إن “ذَكْوان (أبا عمْرو ت 63هـ/684م) مولى السيدة أم المؤمنين عائشة (ت 58هـ/679م) -رضي الله عنها- كان يؤمُّها في… صلاة التراويح [وهو يقرأ] في المصحف”؛ كما في رواية الإمام أبي القاسم الأصبهاني الملقب بقوام السُّنة (ت 535هـ/1140م) في ‘سِيَر السلف الصالحين‘.

وحفظت لنا كتب الفقه والتاريخ والتراجم ‏أسماء القُرّاء الذين كلفهم عمر -في أوقات مختلفة- القيام بهذه المهمة؛ فذكرت من قُرّاء الرجال: ‏أبيّ بن كعب الأنصاري (ت 22هـ/644م) الذي “كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات”؛ وفقا لابن تيمية (ت 728هـ/1328م) في ‘مجموع الفتاوى‘.

ومن قُرّاء الرجال كذلك معاذ بن الحارث ‏الأنصاري (ت 63هـ/684م). وأما قُرَّاء النساء فهم: تميم بن أوس الداري (ت 40هـ/661م) الذي ورد أيضا أنه صلاها بالرجال، وكذلك سليمان ابن ‏أبي حَثْمَة القرشي (ت بعد 43هـ/664م)، وعمرو بن حُرَيث المخزومي (ت 85هـ/705م).

أوليات وآراء
ومن الأوّليات المتعلقة بتاريخ التراويح استحداث استدارة الصفوف حول الكعبة؛ فأبو عُبيد البكري الأندلسي (ت 487هـ/1094م) يروي -في ‘المسالك والممالك‘- عن الإمام سفيان بن عيينة (ت 198هـ/814م) أن “أول من أدار الصفوف حول الكعبة عند قيام رمضان [والي مكة الأموي] خالد بن عبد الله القَسْري (ت 120هـ/739م)، وكان الناس يقومون في أعلى (= بداية) المسجد؛ [فـ]ـأمر.. الأئمةَ أن يتقدموا ويصلّوا خلف المقام، وأدار الصفوف حول الكعبة”.

وقد استقرّ حكم التراويح الفقهي -عند علماء أهل السُّنة- على أنها “سُنّة” لا “فَرْض”، وساقوها مثالا نموذجيا على “البدعة الحسنة” شرعا عند القائلين بها منهم؛ لكن بعض هؤلاء العلماء ذهب إلى أنه “لا يجوز ‏تركها في المساجد… لكونها [صارت] شعارا [للمسلمين]، فتلحق بفرائض الكفايات أو السُّنن ‏التي صارت شعارا… كصلاة العيد”؛ وفقا لخلاصة فقهية قررها الإمام تاج الدين السبكي (ت 771هـ/1370م) في ‘طبقات الشافعية‘.

كما استحب العلماء -حسب الإمام أبي بكر البيهقي (ت 458هـ/1067م) في ‘شُعَب الإيمان‘- أن “يُزاد في شهر رمضان في أنوار ‏المساجد” بتعليق المصابيح فيها؛ قائلين أيضا إن “أول من فعله عمر بن الخطاب لما جمع الناس في ‏التراويح”؛ طبقا لمؤرخ المدينة المنورة نور الدين السمهودي (ت 911هـ/1505م) في ‘وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى‘.

وفي ذلك روَى الإمام النووي (ت 676هـ/1277م) -في ‘تهذيب الأسماء واللغات‘- أن علي بن أبي طالب (ت 40هـ/661م) رضي الله عنه “مرّ على المساجد في رمضان وفيها القناديل تـُزْهِر، فقال: نوّر الله على عمر قبره كما نور علينا ‏مساجدنا”!!

ومع أن جماهير المسلمين ساروا على نهج الصحابة في إقامة شعيرة التراويح في رمضان؛ فإنه ‏ظهرت آراء أنكرت شرعيتها باعتبارها “بدعة ‏عُمَرية”؛ كما ترى طوائف الشيعة باستثناء بعض أئمة الزيدية. ونسب المقريزي (ت 845هـ/1441م) -في ‘المواعظ والاعتبار‘- إلى ‏الفرقة النَّظـّامية من المعتزلة قولها إنه ‏‏”لا تجوز صلاة التراويح”.‏

محمد المختار ولد أحمد

arArabic