وأكد الناشطون الحقوقيون، خلال ندوة صحفية في الخامس عشر من الشهر الجاري، أن نحو 200 طفل فرنسي، يعيشون يوميا تحت تهديد خطر الموت في مخيمات “روج آفا”، شمال شرقي سوريا، حيث ما يزال الوضع متوترا.

ويقضي هؤلاء الأطفال شتاءهم الثالث أو الرابع على التوالي ومنهم من ولد هناك. ومنذ أن سمحت باريسبانطلاق عمليات الإعادة، لم يعد إلا 35 طفلاً، معظمهم من الأيتام إلى الحضن الفرنسي. وهو عدد تراه المنظمات غير الحكومية محدودا جدا، ولذلك، تحث على التحرك بشكل أسرع.

في هذا الشأن، تقول نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، لين معلوف، “إن الخيم تضم بالتأكيد مقاتلين كانوا تحت لواء تنظيم داعش. لكن في المقابل، هناك أشخاص أبرياء هربوا من الحرب واحتموا فيها، ولم يعد في مقدورهم العودة إلى محل إقامتهم الأصلي. لهذا يجب الأخذ في عين الاختبار هذه الحالات”.

وتضيف معلوف في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، “وضعية الأطفال كارثية من الناحية الأمنية والإنسانية. حياتهم مرعبة بحسب تقارير يونيسيف، سواء على مستوى التغذية أو الصحة”.

وبحسب التقارير الدولية، فإن هؤلاء الأطفال يفتقرون إلى الرعاية الطبية ويعانون من سوء التغذية. يواجهون درجات حرارة قصوى تزيد عن 40 درجة في فصل الصيف و10 درجات تحت الصفر في فصل الشتاء يقضون طفولتهم محاطة بالأسلاك الشائكة، دون تعليم أو أبسط الحاجيات اليومية.

فرنسا تستعيد الأطفال اليتامى فقط

وعن تعامل الجانب الفرنسي مع هذا الوضع، ووفقا لبلاغات رسمية، فقد أكدت باريس أن الأولوية ستكون للأطفال اليتامى الذين لا يتوفرون على أهل داخل هذه المخيمات.

هذا الأمر تعتبره نائبة مدير المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية “مجحفا”، وتؤكد بالقول: “نطالب فرنسا وجميع الدول الأوروبية باسترجاع رعاياهم من الأطفال بشكل مستعجل، سواء كانوا يتامى أو لديهم أمهات، لأنهم ضحايا حرب ووضعية صعبة. وفي حال ثبت أن أمهاتهم متورطات في جرائم ضد الإنسانية، فيجب أن تتم محاكمتهن وفق القانون الفرنسي الذي يتوفر على جميع الآليات لإجراء تحقيق دقيق”.

وقبل يوم واحد من عقد هذه الندوة الصحفية، كرر وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، على قناة “فرانس 5″، أن فرنسا ستواصل قدر الإمكان إعادة أطفال المقاتلين الفرنسيين من شمال شرق سوريا، مستبعدا أي إجراء مماثل لصالح الأشخاص البالغين.

وصرح أنه فيما يتعلق بالقصر، ستتم “دراسة كل حالة على حدة”. وأضاف، “نقود في كل مرة عمليات خطيرة للغاية. فالمنطقة ما زالت في حالة حرب”.

جمود وسط معاناة وموت

وفي آخر عملية نفذتها فرنسا في شهر يناير من عام 2021، تمت إعادة سبعة أطفال. وبعدها عرفت القضية جمودا كبيرا ترى لينا معلوف أنه “غير مبرر”.

وتتابع في هذا السياق، “قامت السويد مؤخرا بإعادة 25 طفلا على الأقل رفقة أمهاتهم. وكازاخستان تعتبر من أولى الدول التي أعادت رعاياها. صحيح أن ذلك لم يجر بالسرعة التي نتمناها، لكن هناك استجابة مقبولة”.

وتنبه لين معلوف إلى أن الأطفال يموتون، وتحكي أنه في الهجوم الذي شنه تنظيم “داعش” في شهر يناير الماضي، على سجن حيث يحتجز فيه 700 طفل، قتل العديد من الأطفال، بينهم فرنسيون، فيما يحتاج بعضهم لرعاية طبية مستعجلة.

خوف على الأمن الداخلي

من جانبه، يوضح مدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، جاسم محمد، في اتصال مع “موقع سكاي نيوز عربية”، أن الدول الأوروبية عموما، وفرنسا خاصة، يتعاملون بحذر شديد مع عملية عودة هؤلاء الأطفال. إذ تتحقق جنائيا وتبحث في نسبهم قبل أن تسمح لهم بالعودة”.

ويشرح جاسم محمد أنه في حال ثبت تورط الأم في بعض الجرائم، تلجأ بعض الدول الأوربية إلى اصطحاب الأطفال إلى دور خاصة أو يتم إيداعهم عند عائلاتهم. ولكن، في حال اتضح أن الأمهات لم يقمن بأي فعل إجرامي، يبقى الأطفال بصحبتهن وتقدم لهن الدولة برامح للوقاية من التطرف إلى جانب الدعم النفسي والاجتماعي.

وفي هذا الشق، أشار الطبيب النفسي، سيرج هيفيز، الذي شارك في الندوة الصحفية إلى أن “كل الأطفال الأوائل الذين شارك في رعايتهم وجدوا أسرهم، وتم دمجهم في قراهم ولا أحد يعرف قصتهم”.

ووفقا لمدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، ترجع أسباب رفض فرنسا إعادة الأطفال المصحوبين بأمهاتهم إلى أراضيها، إلى تخوفها من التهديد الإرهابي الذي قد تشكله هؤلاء الأمهات بالنسبة للأمن الداخلي لأنهن قد ينشرن التطرف والإرهاب.

 

ويستطرد “في الحقيقة، أظن أن الرفض الفرنسي يتعلق بموقف سياسي أكثر مما هو تقني. إذ نجحت حكومات أوروبية كثيرة في جمع الدلائل والشواهد وقامت بفحوص تقنية بفضل بعث الادعاء العام لجان تحقيق في مهمة صعبة إلى عين المكان. إلا أن ما نلاحظه هو أن بعض الأحزاب السياسية الفرنسية ترى أن عودة المقاتلين ستقوي اليمن المتطرف على حساب شعبيتها في الانتخابات”.