الصفحة الرئيسيةمراكش الذاكرة

عراصي وجنانات مراكش والعيون والخطارات التي تمدها بالماء

من أرشيف المراكشية

هذه نظرة تاريخية لعراصي وجنانات مراكش والخطارات التي تمدها بالماء،. وهي نظرة يمكن تلمسها في هذه المقالة رغم  شح المظان. و تحوي، علاوة على ذلك، فوائد جلى منها :

 

1.    انتماء العراصي لعهد معين : فهناك عراصي تنتمي للعصر المرابطي مثل جنان الصالحة وعراصي من العصر الموحدي والعصر المريني مثل روض العروس، وعراصي من العصر السعدي كجنان بنشكرا وأخرى تنتمي للعصر العلوي كعرصة ابن عمران. يقول عن روض الزيتون : خصص في العصر السعدي لإسكان الأندلسيين الآتين من “تارفيناس”   و”أوركيبا” وقد اعتمد هؤلاء هذه العراصي وبنوا بها الدور والقصور. وغرسوا خلف الأسوار الجنان المعروشات .

2.    الإشارة، قليلا، إلى مالكيها بالتتابع يقول عن جنان أبياض بعد تحديد موقعه : كان في ملك مولاي علي الدمناتي وصيف المولى عبد الرحمن العلوي، وقد أخذ باحماد الجنان من حفدته بعد تكاثر ديونهم، واشتراه أبو بكر الغنجاوي من تركة باحماد سنة 1900، وبعد وفاته أخذه الكلاوي من ورثته وباعه لعائلة العكاري. وانتهت قسمة منه لورثة الحاج قدور القرطبي اشتراها منها الطاهر الغنجاوي والمختار بن عبيد  بمبلغ 200 ريال.

3.    الإشارة إلى التحول العمراني الذي أصاب بعضها : فمع ذهاب دولة ومجيء أخرى تباد عراصي و/أو تجزأ و/أو يقتطع منها ؛ فجنان بوسكري جزأه مولاي الحسن العلوي وباعه قطعا أرضية للسكان بثمن زهيد وعرصة بوعشرين بني على جزء منها مستوصف عمومي ومركز بريدي وبقي الجزء الأكبر أخضر . وعرصة الجبل الأخضر بني فوقها فندق ضخم ومركز تكوين تابع لوزارة الشغل وعدد من الدور السكنية . وجنان الحاج أحمد أمرشيش بنيت به عدة منشآت صحية وتعليمية منها ما تم تشييده في بداية الاستقلال كمستشفى الرازي وابن نفيس ومنها ما شيد مؤخرا كالمؤسسات الجامعية . وعرصة الحوتة حي سكني كبير (…)، تم بناؤه في بداية الحماية . وروض العروس بنيت أغلب منازله في عهد أبي الحسن المريني، وبنى به أبو سعيد المريني مسجد روض الجنة وهو أصل مسجد سيدي بنسليمان في سنة 1132هـ/1719م زاد فيه المولى اسماعيل، وجدد حفيده محمد بن عبد الله، وكذا مولاي عبد الرحمن. وبقيت بالحي حدائق كانت تقام بها حفلات سلطان الطلبة في مطلع القرن العشرين، تم بناؤها بعد ذلك . هكذا نجده يقدم لنا تاريخ عرصات والتحولات التي عرفتها ومن قام بها حسبما توفره المظان المعتمدة.

4.    الإشارة إلى تحول بعضها إلى أحياء سكنية تحمل نفس الاسم مثل عرصة بوطويل التي بني عليها حي بوطويل بدوره ومتاجره . وعرصة إيهيري التي كانت إلى حوالي 1912 حقولا تحرث. ومنذ هذا التاريخ انقطع عنها الماء، وحسب خريطة مراكش لبريسوب وماندلسير، شرع في بنائها دورا قبيل الحرب العالمية الثانية وهي الآن حي سكني كبير . وبعرصة البرذعي بني حيان : الأول : قديم يعود تاريخه إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية في الشمال. والثاني : جنوب الأول، حديث شرع في بنائه بعد الاستقلال. ويقعان جنوب حي عرصة الملاك داخل باب الخميس" . وهو بذلك يتضمن معلومات عن التطور المعماري وحركة البناء والتشييد التي عرفتها المدينة عبر التاريخ. والتكاثر السكاني، وتقلص الغطاء الأخضر. وهذا ما وثقه الزجال والإعلامي المراكشي امحمد الصقلي في قصيدته مراكش موظفا الفعل الماضي كانت :

كانت مراكش

مدينة آه…

كانت بهجة

وفريجة آه…

فعراصيها الهم تنساه

ومن نزاهيها ما تشبع

كانت بماها ومرعاها

واللي تمنيتي تلقاها

إلى أن يقول واصفا الحالة التي أصبحت عليها المدينة الحمراء :

تهرست الكلال

وطاروا الشقوف

تمسخ العمران

وتشرعوا الدفوف

وتخلط الحابل بالنابل

والصولة صادفت كل سافل

واصبحنا طبال وغياط

وترفا لكل سابل

والطيور للي عل الاشجار غردات

جرا عليها بوم

وبقى بلارج في عشو حاصل

5.    كما أنه يتضمن معلومات فلاحية، على قلتها، ذات فائدة مهمة فهو يشير إلى طرق السقي وأنواع المنتجات الفلاحية ؛ الخضر والفواكه، التي كانت متوفرة في المدينة وبأرخص الأثمان؛ فهو ذكر لعرصة احريلي حوالي خمس عشرة (15) عينا. وذكر من منتجاتها : الشعير والقمح والرمان والليمون والمشماش والبلح .

6.    وإذا كانت مجموعة من هذه العراصي تتميز بثمارها الكثيرة والمتنوعة وهندستها البديعة كما جاء في الحائية التي سجلها صاحب الأعلام عن عرصة المامونية ، وما وثقه صاحب المراحل الحوزية في عراصي النيل قائلا :

وهذه هي عراصي النيل    محكمة في غاية التأويل

بها من الثمار ما تشـــاء    وربنــــــا يفعل ما يشاء

فالظاهر أن المظان المتوفرة للباحث لم تسعفه في تقديم نبذ هندسية عن جل العراصي بل لم تسمح له بتحديد موقع وتواريخ إنشائها، ومالكي العديد منها.

7.    استشهاده ببعض النصوص الزجلية أو الشعرية التي ذكرت عرصة من العراصي، وهذا يقل عن أصابع اليد الواحدة، من ذلك ما قاله في عرصة المامونية، وعراصي النيل، وجنان احريلي، وجنان الصالحة الذي يقول عنه ومازال سكان مراكش يذكرون جمال هذه الحدائق وتنوع خيراتها في زجل ينشدونه لأطفالهم، ويردده هؤلاء في ألعابهم، وقد أورد صاحب الاستقصىا بعضه :

أجرادة مالحـــــــة    فين بت سارحة

في جنان الصالحة

واش كــــــلتـــــي    واش شربتــــي

غيــــــر التفــــاح    وغير التفـــــاح

هز يديك ألقاضي    يــــا بو نفــــاح

8.    ذكره لمساهمة المرأة في تحسين البيئة الطبيعية والمحافظة عليها بامتلاكها لجنانات إنشاء أو وراثة والاهتمام بها مثل جنان الصالحة، وعرصة الدوديات، وعرصة قاع افليج التي حبستها امرأة على سيدي سليمان الجزولي.

9.    المعجم أيضا يقدم معلومات لغوية منها شرح بعض التسميات من ذلك قوله في جنان تامسنا :وتامسنا هي الشاوية الحالية , وفي جنان توايزر سيدي بوعمرو : والتوايزر جمع تويزة وهي من عادات التعاون والتضامن بين الفلاحين الذين يجمعون إمكانياتهم اليدوية والآلية لخدمة أرض أحدهم أو أرض الفقيه الذي يدرس أبناءهم . في مدلول عرصة المعاش  يقول بأن اسمها تولد من السوق التي كانت تعقد بها لبيع المواد الاستهلاكية من طرف القبائل التي عمرت القصبة بعد بنائها في العصر الموحدي . وعند حديثه عن عرصة إبراهيم ؤ ابراهيم يقول : معنى و في الأمازيغية ابن . ومع كل ذلك لم يهتد إلى مدلولات العديد من أسماء العراصي أمازيغية كانت أم عربية.

10.    والظاهر أن الباحث لم يكتف بنقل ما تجود به المظان، المكتوبة أو الشفوية، من معلومات قليلة فلقد كان يبدي رأيه في العديد من الأمور، فهو يقول على سبيل المثال، في عرصة الحفيان، والراجح أن الحفيان هو حافر عينها، وهي شهيرة غزيرة الماء. ويقول في عرصة الحوتة لعل الحوتة كان مالكها إذ مازالت بالمدينة أسر تحمل هذا الاسم . وفي جنان دار أتكموت يقول : وأتكموت معناه الصائغ المتخصص في معدن الفضة. ولعل مالكها كان كذلك .

11.    رغم اختلاف التعريفات بين الطول والقصر ؛ فبعضها جاءت في سطر أو سطرين مثل عرصة جسوس، وعرصة سيدي سعيد، وجنان الطبال، جنان عبدو، وجنان عد ؤ عد، وجنان القاضي عياض، وجنان النجار . وبعضها طالت قليلا كعرصة احريلي التي غطت حوالي 3 صفحات  وجنان الحارثي الذي استغرق 26 سطرا . وعرصة المامونية التي عرفت في 23 سطرا . فإن أغلب التعريفات لم تتعد أربعة أسطر. وتفسير ذلك شح المصادر وتتبع الباحث للإشارات القليلة المشتتة والمبعثرة هنا وهناك. فلا توجد مصادر خاصة بهذا الموضوع الطريف والجديد. لهذا يعتبر هذا المعجم بحق، من أوثق وأجمع المراجع في تجديد عراصي وجنانات مراكش. وبالرغم من أنه لم يقدم معلومات وافية عن كل عراصي مدينة مراكش وجناناتها، ففيه علم غزير، وهو أول وأوفى ما وصل إلينا في موضوعه. ويكفي أن يكون الأول في هذا المجال، ليحسب من الأيادي البيضاء العديدة للدكتور حسن جلاب، متعه الله بالصحة والعافية، على مراكش خاصة والأدب المغربي عامة

arArabic