الصفحة الرئيسيةثقافة \ أبحاثمراكش الذاكرة

دوفردان يصف الحالة السيئة لما آلت إ إليه مدارس مراكش قبل الحماية

اقتراح عبد الصمد الكباص

أقترح على القارئ هذا النص المثير الذي يصف مظاهر الانحطاط الثقافي و الانحصار العلمي الذي كانت تعانيه مراكش قبل فترة الحماية . و يقدم غاستون دوفردان ، صورة قاتمة عما آلت إ إليه المدارس العلمية بالمدينة الحمراء رغم تشجيع السلاطين لتمدرس الطلبة مستشعرين خطر الانقراض الوشيك للعلم المراكشية بالحضرة.

و المثير في الأمر و استنادا لشهادات من زار مراكش و كتب عنها من الأجانب في هذه الفترة ، فدوفردان يلح على نقطة ذات أهمية قصوى و دلالة حتى في حاضرنا ، و هي أن الطلبة ينشغلون بأي شيء ماعدا قراءة الكتب ..

النص الذي نقترحه مقتطف من الصفحتين 629 و 630 من الجزء الثاني من كتاب ” تاريخ مراكش من التأسيس حتى عهد الحماية ” الترجمة العربية .. معطيات تدعونا لكثير من التأمل في حاضرنا .

يقول غاستون دوفردان : اجتهد السلطان العظيم سيدي محمد اجتهادا خاصا لصالح الطلبة بمراكش ، فبنى مدارس و جلب العلماء للتدريس بها من كل مدن المغرب . لكن تلك البنايات لم ينعكس اثرها على جمال المدينة ، و لا هي استطاعت دعم الحياة الثقافية طويلا بها .

و قد صرح علي باي سنة 1804 أن الفنون و الصنائع بهذه المدينة لا يمكن أن تزدهر و لا حتى أن تشجع ، لأنه ” ليس بالمدينة مدرسة واحدة ذات بال ” . و قد جاء في ظهير للمولى عبد الرحمن أن العلم بالمغرب كاد يندثر ، و بمراكش أكثر .

و في سنة 1859 ذكر الرحالة الإسباني كاتل أنه لم يكن بمدرسة “بريمة” إلا حوالي عشرين طالبا . ” و قد زرتهم خمس مرات ، أو لعلها ست ، و لم أرهم ، يوما يحملون كتابا ، و غاية ما يشتغلون به احتساء الشاي و إذا توفر لديهم . ومنهم من شابت لحيته ؛ و أصغرهم سنا يبلغ خمسا و عشرين سنة ” . و العجيب أن السلاطين ما فتئوا يقدرون الطلبة : فقد دعوهم لحفل خاص بهم بحديقة القصر ابن ادريس  بمناسبة شفاء المولى عبد الرحمن .

أما المولى الحسن فلما هاله ما آل إليه التعليم وهب خمسين ريالا في السنة كسوة لكل من يحفظ “مختصر” سيدي خليل عن ظهر قلب . وقد انخفض عدد الطلبة شيئا فشيئابالحضرة المراكشية ، و انحصر التعليم بها و بفاس أيضا بالتدريج في المسجد الجامع و مدرسته ، و تدنى مستواه إلى الحضيض . و في 1902 لاحظ دوتي أن الدرس كان يقتصر على القرآن و الحديث و النحو و الشريعة ، أما التفسير فقد حظره المخزن بمراكش و بفاس أيضا ، لأسباب سياسية بلا شك . أما التاريخ و الجغرافيا و العلوم و الفيزيائية و الطبيعية و الاقتصادية و السياسية فلم تكن معروفة ؛ و كانت النتيجة مأساوية لأن الطلبة بعد قضائهم سنوات عديدة من عمرهم بالمدرسة يخرجون منها دون أن يتحصل لهم قدر بسيط من هذه العلوم النافعة ، أو أن يتوسع أفقهم الفكري . فكانوا عاجزين عن تتبع الأحداث العالمية و السياسة الدولية . و تربيتهم غير المتوائمة مع الظروف كانت تحول بينهم و بين فهم تطور بلدهم و الوعي بعظيم ما يحتاج إليه .

arArabic