الصفحة الرئيسيةرأي

*تأمَّل … عالَمية الرّسالة (ج1)*

بقلم أسامة شعبان (لبنان)

*بسم الله الرحمٰن الرحيم*
1- أمداءٌ خاليةٌ من اللونين الأخضر والأزرق، كثبان رملية مترامية، حجارة رمضاء سوداء جدباء، أرض جافة حارة، عواصف ترابية، ليالٍ باردة، مزاج صعب متقلّب، جبال كثيرة رمادية، الماء حاجة يومية، الطعام أُمنيّة، الأمطار قليلة موسمية، المجاري النهرية في الوديان معدودة، الواحات والنباتات والأزهار نادرة، الآبار أندر، الأفق سراب، ومشهدية قاسية كأنها يَباب خراب…
2- رعي القطعان مرتبط بالتنقل وراء العشب والماء، الأمان من قاطع الطريق مَطْلَب، العيش في وحدة محفوف بالمخاطر، العشيرة ظهيرٌ وحامٍ ومرجعية، العصبية القبلية دمٌ يجري في الشرايين، الثأر كرّ وفرّ؛ غصبًا وسلبًا ونهبًا وضربًا وقتلًا وجهلًا… الأيام متشابهة، والهموم هي الدنيا…
3- الجاهلية مستحكمة في العقول والممارسة، متغلغلة في العادات والتقاليد والطقوس، الطبقية حُكْم قَهْري نهائي، العبيد يعيشون في السجن الكبير، المرأة مأكولة الحق، الأمية منتشِرة، القوانين فصّلها الأقوياء وطبّقوها على المستضعَفين…


4- يعظمون الأنبياء من باب المظاهر الموروثة، وخصوصًا إبراهيم وإسماعيل، يرسمونهم، ويذكرونهم، ويدّعون موافقتهم في الحج والاستقسام بالأزلام (سهام الحظ)، يعبدون ما ألْفَوْا عليه آباءهم آلهةً من دون الله، نحتوها وذبحوا عندها وعطّروها وزيّنوها وتذلّلوا لها، ثم يعتقدون بالله إلٰهًا ويشركون به من ضمن الآلهة عندهم، أو يقولون نعبدها زُلْفى إليه…
5- يُفسِحون المجال لكل مشركي العرب بجعل أصنامهم عند الكعبة، ويتمظهرون بصورة المدافع عن الكعبة رمز العرب بستائرها ومفتاحها وعمارتها وغسلها وحمايتها وسِدانتها (خدمتها)، ويتفاخرون بسقاية حجّاجها وإطعامهم وضيافتهم؛ وإنما التجارة نتيجة أكيدة لموسم الحج وبابُ الربح الوافر لهم، واستمرار لسيادة عرب شبه الجزيرة…
6- القوي يتغوّل الضعيف، وبنو هاشم وبنو أمية متنافسون في كل شيء، والعرب في الغالب بدويون مترحلون متناحرون مُعسِرون، ولم يعرفوا كثيرًا من الفنون فتفنّنوا في اللغة، فرفعوها وعظّموها وبرعوا فيها ومجدوا شعراءهم وخطباءهم…
7- الحروب منهكة للإمبراطوريات والدول والأمم، وعرب الأطراف مرتزقة (الغساسنة عند الروم، واللخميون عند الفرس)، إلا أن أرض الحجاز (الجزء الغربي من شبه الحزيرة العربية) رغم الموقع الفريد عند ملتقى القارات القديمة الثلاث، لم يتوسّع فيها الغزاة الغرباء، بسبب صحرائها وعدم التأقلم مع جغرافية تضاريسها القاحلة الماحلة، فلم يتأثر الحجازيون بالحروب الإقليمية الطاحنة، وعاشوا في منأى عن ذلك، وأسموا بلادهم “الجزيرة العربية”.
8- طرأ شيء جديد على العرب والدنيا، ظهرت مطلعَ القرن الثامن الميلادي قوةٌ عقَديّة عالمية هائلة في سرعة قصوى، لتكون أقوى دولة بشرية في الأرض،
يحمل لها وعدًا أكيدًا بمستقبل جديد زاهر، ويحمل لواءها الذي لا يُنكَّس مدى الزمان، ويغيّر حياة العرب إلى الأبد، ويأخذهم أبعدَ من رمال شبه الجزيرة العربية، ليؤسّس حضارة امتدت من إسبانيا إلى الهند… *محمد*
*صلى الله عليه وآله وسلم*.
*تأمَّلْ.. ولا تَمَلّ*.

د. ش. أسامة شعبان
o.shaaban1976@gmail.com

arArabic