الصفحة الرئيسيةرأي

تأملات : *الاجتماع مع الأنبياء في السماء*

مرَّت إحدى عشْرةَ سنةً على البعثة وأزْيَد.. وبلغ النبيُّ الأمينُ المُلهَمُ عليه الصلاة والسلام واحدًا وخمسين عامًا وسبعة أشهر.. مات العمّ أبو طالب المدافع عنه، وزوجُه خديجة الداعمة له، وتكاثرت الأذيّات وتعاظمت، واتّسعت المخاطر وتنوّعت.. فأتى المَدَد الإلٰهي، والتمكين الرّبّاني.. وكان النور الوهّاج بمعجزة الإسراء والمعراج..
وبعدَما التقى وأمَّ خاتمُ الأنبياء محمدٌ كلَّ إخوانه المصطفَين صلوات ربي وسلامه عليهم، في المسجد الأقصى.. عاد والتقى عددًا منهم في الرحلة العُلوية.. ثمانية أنبياء في سبع سماوات؛ فلماذا هُمْ دون غيرهم؟!
لعلّ الحكمة الإلهية اقتضت ذلك.. لأن قصصهم مع أقوامهم وأعدائهم تشبه قصته مع قريش، تسليةً لقلبه، وتقويةً لعزيمته، ورفعةً لدرجته..
الأولى: النبيّ آدم الذي كان في أمان الجنة فأخرجه عدوّه إبليس منها.. وكذلك فعل مشركو قريش بإخراج النبي محمد من مكة المكرمة.
الثانية: النبيّان عيسى ويحيى ابنا الخالة الممتحَنان باليهود، عيسى بالتكذيب والإيذاء ومحاولة القتل، ويحيى بالقتل.. وكذلك النبي محمد بعد انتقاله إلى المدينة المنورة صار إلى حالة ثانية من الامتحان على يد اليهود الذين آذوه وظاهروا عليه وهمّوا بإلقاء الصخرة عليه لقتله.. فنجّاه الله كما نجّى عيسى، ثم سَمُّوه في الشاة، فلم تَزَل تلك الأُكْلة تُعاوِده حتى قطعت عِرْقَه الأَبْهَرَ، كما قتلوا يحيى.
الثالثة: النبيّ يوسف ليُؤْذِن ذلك بحالة ثالثة تشبه حالة يوسف الذي ظفر بإخوته بعدما أخرجوه من بين ظهرانِيهم فصفح عنهم.. كذلك النبي محمد أسَر يوم بَدْر أقرباء له، فأطلق بعضهم، وقَبِل فِداء بعضهم الآخَر، وظهر عليهم عامَ الفتْح فجمعهم وخلّى سبيلهم وقال لهم قَوْلة يوسف. 
الرابعة: النبيّ إدريس أوّل من آتاه اللهُ الخطَّ بالقلم، إيذانًا بحالة رابعة هي علوّ شأن النبي محمد حتى أخاف الملوكَ وكتب إليهم يدعوهم إلى طاعته.
الخامسة: النبيّ هارون المحبَّب لقومه.. ما يبشّر بحُبّ قوم النبي محمد وجميع العرب له بعد بُغضهم إيّاه.
السادسة: النبيّ موسى حين أُمِر بغزو الشام فظهر على الجبابرة الذين فيها، وأَدخل بني إسرائيل حينما كانوا مؤمنين البلدَ الذي خرجوا منه بعد إهلاك عدوّهم.. وكذلك فتح النبيُّ محمد مكةَ وأدخل المهاجرين من حيث خرجوا.
السابعة: النبيّ إبراهيم الذي بنى الكعبة ورفع قواعدها بعدما تهدّمت، وأَذَّنَ بالحجّ ودعا إليه.. فكان إشارة إلى أنّ آخر أحوال النبيّ محمد الحجّ إلى البيت الحرام.
 
*تأمَّلْ كيف سُرّ الصحابة الكرام بهذه المعجزة وزاد إيمانُهم رسوخًا! كيف ظهر صدق النبي محمد بحقيقة حصول الكرامة الرّبّانية بإخباره لقريش عن القوافل المتوجّهة إلى الحجاز وموقعها وموعد وصولها ومضمون حُمولتها! تأمَّلْ كيف توارث المسلمون السَّلْوةَ والفرحةَ بالاحتفاء والاحتفال والاعتبار باستذكار معاني الذكرى ومباني البشرى في معجزة الإسراء والمعراج!.. فيا بَرَكة المناسَبة الغالية حُلّي علينا في مَنازلنا وأوطاننا بالبُشريات والسّعادات.*
 
 د. ش. أسامة شعبان
arArabic