الصفحة الرئيسيةرأي

كل ادعاء غير ذلك كذب.. الزليج مغربي وأندلسي الهوية

الزليج والفسيفساء والقاشاني

  دعوة الحق

العددان 131 و132

تدور هذه الاسماء الثلاثة (الزليج والفسيفساء والقاشاني) على السنة الواصفين حينما يحاولون وصف المباني الفنية الجميلة. القديم منها والحديث.. فيقولون ان جدرانها، وسقوفها، وارضها مزخرفة بالفسيفساء.. والقاشاني.. هذا في المشرق. اما في المغرب فيقولون : (مزلجة) بالزليج..
ويختلط الامر علينا فلا ندري هل هاته الاشياء الثلاثة.. مختلفة في مدلولها. فلذلك تعددت اسماؤها ام هي شيء واحد.. ولكن الاسماء متعددة..
 ويزيد ارتباكنا حينما نرى ونسمع الكتاب المعاصرين في الشرق. ويتبعهم بعض المغاربة يتحدثون عن المباني الاثرية في الاندلس والمغرب ويصفون ما بها من فسيفساء.. وقاشاني.. من غير تعريج على كلمة الزليج وحتى الذين يذكرونها.. نشعر في كلامهم او كتابتهم وكانها تمشي على استحياء.. وقلق.. مما يدلنا على ان المدلول الحقيقي لهذه الكلمة ليس واضحا في اذهانهم.. لهذا سنعطي هنا معلومات مدققة كلها تدور حول التفرقة بين هاته الاسماء الثلاثة..
وقبل كل شيء يجب ان نعرف ان كل كلمة نشات في لغة.. وامة.. وعصر فالفسيفساء نشات عند الرومان.. ولعلهم اخذوها عن الشرق القديم. والقاشاني عند الفرس…

 والزليج عند العرب.. في المغرب والاندلس خاصة.. فكلمة الفسيفساء ترجع الى اصل يوناني ولكن الرومان اقتبسوها واستعملوها مما جعل الباحثين يظنون انها رومانية لا صلة بينها وبين اليونان..
اما مدلول الفسيفساء عند الرومان كما كانوا يفهمونها. وكما كان العرب يفهمونها حينما اقتبسوها من البزنطيين واستعملوها في العصر الاموي في بلاد الشام، يوم بنوا المسجد الاموي في دمشق.. والمسجد الاقصى في القدس.. فهو حجارة صغيرة دقيقة.. وقطع من الزجاج الملون.. وقطع من الخزف الملون.. تجمع كلها ويصنعون منها صورا للانسان والحيوان والاشجار والازهار.. ومناظر الصيد.. والرقص.. والاجتماعات الدينية.. والمعارك الحربية.. بالاضافة الى الزخرفة والتجميل.
وقد اقتبس العرب الفسيفساء وجملوا بها قصورهم ومساجدهم مع اهمال لجانب الصور فيها. ولا سيما منها صور الانسان.. وذلك لاسباب دينية معروفة..
 فالفسيفساء تقوم على اساس التصوير بالالوان.. وتخليد المناظر على الجدران والشقوق.. ومن اجل هذا كانت الاجزاء التي تقوم عليها بسيطة جدا بمادتها واشكالها.. فصانع الفسيفساء يريد اخراج صورة.. ومنظر.. لاخراج اشكال هندسية.. متشابكة..
اما القاشاني.. فهو منسوب الى مدينة قاشان الفارسية.. وكان اهل قاشان قد اقتبسوا صناعة الخزف اللامع من الحضارة الصينية.. وتوفرت لديهم التلوين.. والتلميع.. فمن اجل ذلك ابتكروا هذا النوع المسمى القاشاني.
 والقاشاني يصنع من الخزف على شكل مربعات ومستطيلات وقبل طبخها في الافران تلون بالالوان البراقة وتكتب عليها الكتابات المطلوبة بتعاريج وزخارف بديعة.. وبعد طبخها تلمع بمواد خاصة قبل ان تاخذ مكانها من السقوف والجدران..
 فالقاشاني يقوم على اساس الكتابة المزخرفة والحروف الجميلة.. في اطار جميل جذاب..
وكانت الحضارة الاسلامية في المشرق تزين القصور بالفسيفساء، وحيث ان الفسيفساء لا تملك  الكتابة بالحروف.. فانها استعملت القاشاني ايضا ليكمل نقص الفسيفساء..
وهكذا نفهم ما نشاهده في المباني الاثرية بالشرق.. عندما نزور مسجدا او قصرا او ضريحا من اضرحة الاولياء والملوك والعلماء هناك..
بعد هاته الجولة مع الزخرفة الشرقية ننتقل الى الزخرفة المغربية بالزليج…
ونحاول عبثا اذا نحن اردنا ان نبحث عن كلمة الزليج في المعاجم، او دائرات المعارف.. فقد اهملت هذه الكلمة اهمالا غريبا.. من القدامى والمحدثين.. فلا يكادون يذكرونها.. وحتى اذا تجرا احدهم واشار اليها. اقتضب الكلام اقتضابا تبعا لسابقيه..
وقد تنبه لذلك المستشرق الهولندي.. دوزي.. فكتب في كتابه : (تكملة المعاجم العربية) معلومات عن كلمة الزليج.. ورغم اهمية هذه المعلومات.. فان دوزي اخطا حينما زعم ان الكلمة ماخوذة من اللغة الاسبانية. Azulajo.
فالزليج كلمة عربية لا غبار عليها..
وهي ماخوذة من الزليج بمعنى الملاسة والنعومة.. والزلق.. يقال مكان زلج وزاج بمعنى املس تزلق القدم فيه.
فالكلمة الاسبانية ماخوذة من الكلمة العربية لا العكس كما توهم دوزي.. ومدلول الزليج يختلف تماما عن مدلول الفسيفساء ومدلول القاشاني.
فالزليج المغربي لا يقصد به الصورة.. كما هو الشان في الفسيفساء.. ولا يقصد به الكتابة كما هو الشان في القاشاني.. ولكن يقصد به التجميل والزخرفة.. لا غير.


والاجزاء التي يتركب منها الزليج المغربي اجزاء على اشكال هندسية متعددة متشابكة.. يتكون من مجموعها شكل ملون جذاب يسمى اصطلاحا باسم خاص..
اما الكتابة فان الزليج المغربي لا يستعمل فيها طريقة القاشاني.. وانما يستعمل طريقة اخرى حيث ياخذ المربعات بعد خروجها من الافران.. وينقش عليها الكتابة المطلوبة..
والزليج المغربي الان ميراث حضاري رسبت فيه عبقريات وتجارب قديمة.. ويكاد الوحيد من بين انواع الزخرفة الاخرى عند الامم التي قاومت كل تحديات العصر.
والغريب ان الصانع المغربي الآن يستطيع ان يقدم ادق انواع الزليج التي زخرفت بها قصور بني مرين ومدارسهم في فاس.. ورغم ان هاته الانواع قد انقرضت وبطل العمل بها منذ قرون.. الشيء الذي لا يتاتى في الفنون الاخرى..
وهكذا يمكننا ان نفرق بين الزليج والقاشاني والفسيفساء.
ولا نودع كلمة – الزليج – دون ان نشير الى انها كانت مستعملة في الاندلس الشيء الذي حدا المستشرق.. دوزي.. الى ان يجعلها ماخوذة من الكلمة الاسبانية (Azulejo) وان يحاول الربط بين الكلمة الاسبانية وكلمة (لازورد) المعربة عن الفارسية.. (1) 
واللازورد يعني حجرا يكاد يكون في عداد الحجارات الكريمة. وله زرقة لامعة مشهورة كانها زرقة السماء(2).. وذكر الشعراء اللازورد في اشعارهم الوصفية في كل من الاندلس والمشرق.. ونسبوا اليه فقالوا.. لون لازوردي بمعنى ازرق.
وكما حاول دوزي الربط بين الزليج وللازورد حاول غيره الربط بين الزليج والزجاج..
وكلا المحاولتين فيها من البعد والتحمل ما لا يخفى

arArabic