الصفحة الرئيسيةثقافة \ أبحاثملفات خاصة

سلطان الطلبة بمراكش .. الطقوس والتقاليد

أرشيف المراكشية: أحمد المتفكر 

حفلات سلطان الطلبة: من ألطف وأعجب التقاليد الطلابية التي امتازت بها جامعتا ابن يوسف والقرويين دون غيرهما من سائر الجامعات الإسلامية، وأعني بها عادة حفلات سلطان الطلبة.
نشأتها: اضطربت الأقوال في أصل هذه العادة، ومن أنشأها؟ والراجح والمتداول هو أنه كان بجوار تازة يهودي يسمى [ابن مشعل] من الأغنياء، جار على مقاطعتها، وأصبح سيدها المطلق، وأن نفوذه امتد إلى فاس، فأرغم الفاسيين على الاعتراف بسلطته المتنوعة، وذلك بإرسال هدية كل سنة هي أجمل فتاة في المدينة يضمها إلى حريمه، وفي تلك الأثناء كان من طلبة القرويين مولاي الرشيد العلوي الذي لم تتحمل نفسه هذه الإهانة خصوصا وأن الفتاة التي عينت في تلك السنة هدية  لابن مشعل كانت شريفة من البيت العلوي، فقدم نفسه لمغامرة خطيرة بحيث تزيا بزي الفتيات، وتحجب وأرسل في موضع تلك الفتاة وأرسلت معه شورتها التي هي عبارة عن 40 طيفورا، في كل واحد منها طالب من رفقائه مسلحين، وأثناء الوصول رحب ابن مشعل بالفتاة على زعمه، وادخل شورتها إلى داره، وبعد أن أقفل الباب كشف مولاي الرشيد عن نفسه وقتله وساعده الطلبة الأربعون، وبايعوه بعد ذلك، ومع مرور الأيام جاءته فكرة تخليد مبايعة الطلبة له، وتكريم الذين أعانوه على الخلاص من هذا اليهودي اللعين، فأصدر أمره بإقامة حفلة سنوية يتوج فيها طالب من طلبة القرويين.
يقول ابن زيدان في الدرر الفاخرة، نقلا عن كتاب فتح المنان شرح قصيدة ابن زيدون:[ وهو الذي سن نزهة الطلبة الجاري العمل بها كل سنة إلى الآن  بفاس ومراكش زمن الربيع، وذلك لما فتك بابن مشعل واحتوى على ما كان لديه من الذخائر جعل لمن كان في معيته من الطلبة نزهة فاخرة، وقد كانوا نحو الخمسمائة، ومن يومئذ اتخذت عادة سنوية مدة حياته وبعد موته].
ويقال أن نزهة الطلبة شهدت عصرها الذهبي أيام المولى الحسن الأول حيث كان يخصها بكثير من العناية والرعاية، فقد كان يخرج بنفسه في موكبه الرسمي فيتنازل مع الطلبة، ويصدر الأوامر بالمنفذات لهم، ويهيئ لهم الخيول.
 
وقتها: مع حلول فصل الربيع الذي يضفي على الكون حلة جميلة وبهية، ويجعل من الطبيعة مسرحا يغري الناس بالإستمتاع بهذا الجمال الرباني، فيهب سكان مراكش إلى أحضان الطبيعة لقضاء أجمل اللحظات بين الإفادة والنكتة، والترفيه عن النفس، وتسمى هذه الخرجات [بالنزهة].
بعد كد واجتهاد يخلد الطلبة إلى بعض الراحة من نصب وتعب الدراسة بإقامة نزهة الطلبة، أو حفلة سلطان الطلبة. ولهذه النزهة طقوس وتقاليد تتبعها قبل إقامة هذا الحفل.
ففي بداية الأمر يعقد الطلبة اجتماعات تمهيدية لتنظيم الحفل، وإعلان سمسرة السلطنة بين الطلبة الأفاقيين الذين يتغربون عن بلدانهم وأهلهم السنين الطوال في سبيل العلم، بعدها يعقد اجتماع الطلبة بمدرسة ابن يوسف وتعلن السمسرة بصفة رسمية، وتقع المزايدة بين الطلاب على نيل هذا الشرف، إلى أن ترسو على أحد الطلاب، وعند انتهاء المزايدة يعلن عن اسم الطالب الفائز بها كسلطان الطلبة، إذ ذاك يشرع في اختيار هيأته الوزارية وحاجبه وقواد المشور، وأمين مصروفات النزهة التي تدوم أسبوعا كاملا، وتجمع تلك المصروفات من المقدار المشتري به سلطان الطلبة سلطنته وهدايا السلطان المحلية، وتبرعات أعيان وتجار المدينة. وبعد تهيىء جميع لوازم الحفل يغادر سلطان الطلبة المدرسة في موكب رسمي، ممتطيا فرسا وبرفقته جميع وزرائه وحاجبه، قاصدين جنان الحارثي المهيأ لإقامة حفلات سلطان الطلبة.
كما يعين سلطان الطلبة محتسبا ذا استعداد للهزل والمزاح، يجول في الأسواق، ويراقب الأسعار، ويعير الموازين، ويحلل المبيعات، ويستحصل الضرائب والذعائر التي يتعمدها، والتي يؤديها جميع التجار بارتياح كبير، تنشيطا للطلبة ومشاركة منهم في نزهة الشباب الطموح، وتتوالى هدايا أرباب الحرف حيث تهدي كل حرفة ما يناسبها. في خضم هذا الحفل يصعد خطيب هزلي ليلقي أمام السلطانين وأمام الجماهير الغفيرة خطبتين من التنويه [بالزرود]، والحمد للذي أوجدها وهيأها للمعدة… وبعد أن تنتهي الخطبتان في موجة من المرح والهزل،  يقدم سلطان الطلبة مرغوبه الذي يحظى بالقبول وهو: إما إطلاق سراح أحد المسجونين من عائلته، أو نيله لوظيفة، ويكتب هذا المرغوب في صورة ظهير يمضيه سلطان الطلبة.
وفي آخر ليلة من النزهة يجب على سلطان الطلبة أن يغادر مكان النزهة سرا إلى مدرسته خوفا أن يثور عليه رعاياه الطلبة هازلين مازحين، حيث يصبح بعد انتهاء حفلات النزهة فردا مثلهم، وذلك خوفا من أن يدور في خلده أنه نال شرفا على إخوانه الطلبة.
arArabic