الصفحة الرئيسيةرأي

هل ستعيد الجزائر تشغيل خط أنابيب الغاز في ظل أزمة حرب روسيا؟

لا يزال من غير الواضح ماهية الدور الذي ستلعبه الجزائر في حلحلة أزمة الطاقة العالمية التي تتبلور يوما بعد آخر، إثر فرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على موسكو عقابا لها على الهجوم الذي تشنه على أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط الماضي، ولا سيما بعد أن أدرج الاتحاد الأوروبي الجزائر ضمن خططه البديلة والعاجلة لتعويض الغاز الروسي، إلى جانب دول منتجة أخرى مثل قطر ومصر وأذربيجان، حسبما أفادت صحيفة “الموندو” الإسبانية.


أفادت صحيفة الموندو الإسبانية بأن الجزائر ستمتثل للعقود المبرمة مع مدريد والتي تقضي بضمان تزويدها بالغاز إما من خلال خط “ميدغاز” عبر المتوسط، أو من خلال شحنه على متن الناقلات. وتزود الجزائر أوروبا بالغاز عبر خط أنابيب آخر يمر بتونس نحو إيطاليا.

وتحاول الدول الغربية، تتقدمها الولايات المتحدة، الضغط على المنتجين من أجل ضخ كميات أكبر من الغاز والنفط لتثبيت العقوبات على روسيا دون الإضرار باقتصادات دول الاتحاد الأوروبي أو أمنها الطاقوي، حيث تعد موسكو أكبر مصدر في العالم بثمانية ملايين برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات المكررة الموجهة لبقية العالم.

وضمن هذا السياق، زارت نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان الجزائر في 10 مارس ضمن جولة قادتها أيضا إلى إسبانيا والمغرب، حيث بحثت مع الرئيس عبد المجيد تبون التعاون في مجال الطاقة، والأزمة الأوكرانية والقضايا الإقليمية.

خط أنابيب “المغرب العربي-أوروبا”

وبينما اعتبر مراقبون بأن واشنطن وبروكسل تضغطان لدفع الجزائر إلى إعادة تشغيل خط أنابيب غاز “المغرب العربي-أوروبا” الذي أوقفت تشغيله في 31 أكتوبر 2021 ردا على الأزمة الدبلوماسية المستعصية مع المغرب، قال آخرون، إن الجزائر لن تعيد تشغيل هذا الخط على الأقل في ظل استمرار الأزمة مع الرباط.

وفي السياق، صرح المحلل السياسي فيصل مطاوي ومراسل إذاعة مونت كارلو الدولية في محادثة هاتفية مع فرانس24: “من المستبعد أن تعيد الجزائر فتح خط أنابيب الغاز المتجه نحو إسبانيا عبر المغرب بسبب الأزمة الدبلوماسية بين البلدين في ظل التجاذبات الحالية ومنها ملف الصحر. لا أعتقد أن الجزائر ستتراجع لأن مواقفها الدبلوماسية تبقى دائما ثابتة”.

وأضاف مطاوي: “هناك أنبوبان للغاز يتجهان نحو أوروبا أحدهما مباشر بين الجزائر وإسبانيا وهناك أنبوب ثان يمر عبر الأراضي التونسية نحو إيطاليا. نسجل هنا زيارة وزير خارجية إيطاليا للجزائر لبحث موضوع الغاز والعلاقات الطاقوية. إضافة لزيارة وزير خارجية سلوفينيا الدولة التي تعتمد بنسبة أكثر من 90 بالمئة على الغاز الروسي وتم الحديث عن شراكة في مجال الطاقة والغاز. الجزائر تصر على أنها ستبقى شريك موثوق به لأوروبا في موضوع الطاقة”.

“الجزائر لا تخشى الغضب الروسي أو الأمريكي”

كما قال محدثنا أيضا: “يمكن أن ترفع الجزائر كميات الغاز المميع المصدرة إلى دول الاتحاد الأوروبي عن طريق البواخر. لأن المسافة بين الجزائر وأوروبا ليست بعيدة مثلما هو الشأن بالنسبة لأمريكا”. مؤكدا أن قرار رفض إعادة تشغيل خط الغاز العابر للمغرب يرتبط بكون أن “الجزائر لا تخشى من أي غضب سواء كان روسيًا أو أمريكيًا. الجزائر تحافظ على علاقاتها مع كل الدول ولا تخضع لأي ضغوط…”.

من جهته، قال المؤرخ والأكاديمي أ.د محمد الأمين بلغيث في تصريح لفرانس24: إن “الجزائر تضمن لأوروبا 30 بالمئة من احتياجاتها من الغاز، حيث تحتل إيطاليا المرتبة الأولى بنسبة 60 بالمئة، ثم إسبانيا بـنسبة 20 بالمئة، وفرنسا 12 بالمئة، والبرتغال 6 بالمئة، وتأتي سلوفينيا في المركز الخامس بـنسبة 1 بالمئة. تحتل الجزائر المركز الـحادي عشر عالميا من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي التقليدي والمقدرة بحوالي 159 تريليون قدم مكعب، وتملك احتياطيات مؤكدة من البترول التقليدي بحوالي 12,2 مليار برميل، من بينها 3,9 مليار برميل بحقل حاسي مسعود”.

وتابع بلغيث: “في ظل الحرب الروسية الأوكرانية طرأت مشكلة التزام الدول المنتجة للنفط والغاز ومنها الجزائر وإيران وقطر (بحصصها أو ضخ كميات إضافية استجابة للطلب الأمريكي). والمعروف في العلاقات السياسية والاقتصادية أن هنالك التزامات واتفاقيات بين الدول وهو الملاحظ من خلال الموقف الإماراتي، الذي عادة ما يكون إلى جانب الغرب برمته ولو على حساب بعض الأولويات المتعلقة بالعلاقات العربية ومع دول منظمة الأوبك (المصدرة للبترول)”.

“ضغوط كبيرة على الجزائر”

وحول مسألة الضغوط على الجزائر، قال محدثنا: “تخضع الجزائر إلى ضغوط كبيرة نتيجة لقربها جغرافيا من أوروبا، وبحكم أن كلفة الغاز الجزائري أقل بكثير من كلفة الغاز القطري أو حتى الأمريكي، وهي بذلك ستكون الأقرب لمعادلة كلفة الغاز الروسي”.

وأضاف نفس المصدر: “من حيث الحراك الدولي، يمكن لحد الساعة أن نرصد مؤشرين اثنين، الأول ظهر بشكل مبكر مع اشتداد التفاوض بين مدريد والجزائر حول تأمين تدفق الغاز الجزائري، والثاني، تزامن مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، بعد أن قام وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بزيارة للجزائر، وذلك نهاية شهر فبراير/، في سياق تنويع الشركاء الذين يزودون روما بإمدادات الطاقة وتخفيض نسبة الاعتماد على الغاز الروسي. لأن الجزائر تغطي ما يقارب كما قلنا في حدود 11 بالمئة من حاجة أوروبا للغاز الذي قد يعوض بعض ما تستورده أوروبا من الغاز الروسي. كما يعتبر الغاز الجزائري الأقل كلفة بين دول العالم المصدرة للغاز: قطر، إيران، وفنزويلا”.

“لن تتم إعادة فتح الخط المغاربي-الأوروبي”

وبالنسبة لموضوع خط الأنابيب العابر للمغرب، قال بلغيث: “تبقى مسألة السيادة واضحة في التجاذبات بين أوروبا: زيارة وزيرة الخارجية الإيطالي والاتصالات الدبلوماسية الأمريكية كلها تحرج الجزائر للتخلي عن مبادئها تجاه أصدقائها من جهة، ومن جهة أخرى التزاماتها تجاه شركائها ومنهم روسيا”.

وقال بلغيث أيضا: “لهذا لا يبدو ممكنا في القريب العاجل إعادة فتح خط الأنابيب المغاربي-الأوروبي المار بالمغرب نتيجة للظروف التي مرت بها العلاقات المغربية الجزائرية والتي وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية. الأيام المقبلة كفيلة بتوضيح هذه العوائق وفي السياسة والاقتصاد لا توجد قطيعة لكن يبدو أن الطرف الجزائري يتحرج كثيرا من التدخل فيما تراه مسألة سيادية”.

إنهاء واردات النفط والغاز من روسيا

ودفعت الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا منذ 24 فبراير/الدول الغربية إلى فرض عقوبات تاريخية على موسكو شملت قطاع الطاقة. لكن اعتماد أوروبا على الغاز الروسي بنسبة 40 بالمئة وضع زعماء التكتل في حيرة من أمرهم، بين التزامهم بالدفاع عن شريكهم الأوكراني، وبين حاجتهم للطاقة، دفعهم إلى البحث عن بدائل مؤقتة بشكل عاجل، ورسم خطط طويلة الأمد للتخلص من التعبية الطاقوية لروسيا.

الجزائر ستعزز إنتاجها من الغاز

كما يبدو أن البحث عن الجزائر كبديل ضمن مجموعة الدول الكبرى المنتجة للغاز في المنطقة، غير واقعي، في ظل التزام الجزائر من جهة بعلاقات إستراتيجية عريقة مع روسيا، ومن جهة أخرى عدم قدرتها على تعويض الإنتاج الروسي حسبما قال مؤخرا وزير الطاقة الجزائر السابق عبد المجيد عطّار، مشيرا إلى أن بلاده غير قادرة على تعويض الانخفاض في إمداد الغاز الروسي أقله حاليا، مضيفا بأنه “على المدى المتوسط، في أربع أو خمس سنوات، ستكون الجزائر قادرة على إرسال كميات أكبر” مشيرا إلى ضرورة “تطوير احتياطيات جديدة تتكون أساسا من الغاز غير التقليدي” (الغاز الصخري).

وباتت إمدادات الغاز الجزائري لإسبانيا مقتصرة على أنبوب الغاز البحري ميدغاز الذي دخل الخدمة في 2011 ويعمل بما يقترب من طاقته القصوى البالغة 8 مليار متر مكعب سنويا، إلى جانب مجمعات تحويل الغاز الطبيعي المسال. وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أوضح أنه تم التوصل إلى اتفاق مع مدريد لنقل الغاز بالسفن في حال حدوث أي مشكلة. وتصدر الجزائر منذ 1996 نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا إلى إسبانيا والبرتغال عبر خط أنابيب الغاز هذا.

arArabic