الصفحة الرئيسيةملفات خاصةمراكش الذاكرة

خـوان غـويـتـيـصـولـو يـرصـد فـضـاء سينما “إدن” (القنـاريـة) بمراكش/ ج1

 

كانت ودادية سيدي بن سليمان الجزولي ومجلة آفاق مغاربية، قد أقامت ندوة دولية حول أعمال الكاتب الاسباني خوان غويتيصولو ما بين 21 و 23 ابريل من سنة 1995 وخلال هذه الندوة، تم توزيع هذه الورقة التي نقدمها للقراء، والمقال كان قد نشر في جريدة “معالم جهوية” بمراكش

وفي هذه المقالة يرصد خوان غويتيصولو بعض الجزئيات الدقيقة المتعلقة بما يعتمل داخل فضاء سينما ” إدن” بحي القنارية . وهي جزئيات تبدو عادية بالنسبة للمواطن، لكنها بالنسبة للعين الناقدة والمتخصصة، مثيرة للانتباه والفضول والتساؤل. وقد التقط الكاتب الاسباني الذي استهوته مدينة مراكش واتخذها موطنا له كل الحيثيات الخاصة بالموضوع، بأسلوب بسيط، في متناول القارئ لكنه في الوقت نفسه زاخر بوصف الحركية والثبات في أدق تفاصيلهما، مما أكسبهما فنية وجمالية خاصة .

فيما يلي الجزء الأول من هذه الورقة :

يشكل موقع سينما “إدن” بالقرب من قوس شـارع رياض الزيتـون الجـديـد الصاخب ، وفناؤه الواسع المؤدي إلى قاعة الألعاب المحتوية على لعبة بابي – فوت ، وآلات المقامرة بالقطع النقدية، ومحل بيع المشروبات، وبـاحـة لوقوف الدراجات النارية الصـغـيـرة، والدراجـات العـادية، مـوضـعـا شـاسـعـا ، وخـارجـا عـن المألوف. موضعا لا تمثل فـيـه قاعة العروض حصرا إلا حجرته الرئيسية، أي عـقـر المكان. وبينما يتمشى الجـمـهـور أمـام مـدخله، يعرقل المتفرجون الغارقون في مشاهدة الملصقات حركة السير، أو يتسببون في وقوع ازدحام للسيارات، حيث تمتزج أصوات منبهاتها الهائجة بشتائم راكبي الـدراجـات النارية، وصـبـاح الراجلين وتعـلـيـقـات الجـوار المسلمـة بـأمـرها أو الساخرة منه . أما وصول الباعة المتجولين كإعصار، بأكياسهم البلاستيكية العظيمة المحتوية على سلعهم، هاربين من دورات رجال الدرك التفتيشية، فيزيد من ضراوة الفوضى المرحة ومن ذروة البلبلة اليومية .

تكون حركة المرور عادة سهلة، إذ تفد عربات الساحة باندفاع على صيحة بالك! بالك! منذرة بعض المتغافلين، وإذ ينسل ركاب الدراجـات السريعـة الجـري عـبـر حشود الناس في تعرجات جسور، وإذ تصير الحمير المحملة بالأثقال برباطة جأش على ضربات عـصـا أصـحـابهـا ؛ لكن في خضم هذا الصخب توقف لحظة نظرات الراجلين وراكبي الدراجـات وسائقي السيارات والحذاة الفضولية أو الحاملة ، عند ملصقات سينما ” إدن” ، مجذوبة بسحر مشاهد الغرام أو العنف، تحت خطر وقوع حادثة سير لهم، إلا أن الله تعالى ينشـر مـعـطـف رحـمـنـه على المدينة ، وبمعجزة، لا تكون الجروح والكدمات إلا يتـصـفف باعـة اللوز والفول السوداني والحلوى والنـوغـا ذات الألوان الصارخة والسجائر بالتقسيط ، عند الحائط قرب منفذ الفناء ، وعندما تحل ساعة الاستراحة ، يظل الباب موصدا، فيزحم المتفرجون أمام الشباك الحديدي وأذرعـهم ممدة عـبر القضبان، بعد أن جرفوا قعر جيوبهم من القطع النقدية، بعض القرون الورقية المبيئة بقطع الحلوى، أو شراء بعض الشطائر أو السجائر من نوع مركيز المتواضعة أو أخرى من نوع مالبورو المولوية والمشتهاة، والمنظر بهرجه ومرجه والأيدي المتوسلة، يذكـر قهرا من يشده من الخارج بالسجن لا تتساهل إدارة المحل لا مع المخاتلين ولا مع المكرة، في حين أن الجـمـهـور، الأسير قد يستفيد من فترة الاستراحة ليروي عطشـه أو ليملأ بطنه، أو ليلعب البابي – فوت أو ليقضي حاجة طبيعية له ، باستطاعة الأولاد استعمال مراحيض الذكور ومراحض الإناث على السواء، لأن الغياب هنا هو ميزة الجنس اللطيف ، ذلك أنه لن يخطر في بال أي امرأة، سواء كانت لوحدها أو محروسة، أن تلج فضاء سينمـا ” إذن” الأحـرض والملتـحـم. وحدهن فتاتان أو ثلاث فتيان من الساحة بقـمـصـانـهـم وسراويلهن البلو – جينية، وقـصـة شـعـر مـن القـصـيـرة على طريقة الأولاد، واللواتي تخـيـلـن عن حـالـتـهـن المقيدة السابقة، من أجل معانقـة حـرية الجنس الآخـر وحـدهن هؤلاء الفـتـيـات يستطعن التردد على قاعة العروض دون التعرض للمضايقة، فإخـوانهن الجـدد يحترمون الجدد بالإجماع قرارهن غـيـر المألوف والجرىء .

الجزء الثاني في العدد القادم

arArabic