الصفحة الرئيسيةرأي

الهِجْرةُ ذكاءُ التَّخلُّصِ منَ المأزق

إن القائد العظيم سيدنا محمدًا عليه الصلاة والسلام أدرك أن الخصام بين المسلمين والمشركين داخل البلد الواحد مكة، وصل إلى ذروته، وأن كلّ ما كان يحميه قبلُ مِن وجود عمّه أبي طالب أحد قادة مكة وابن زعيمها عبد المطلب، ووجود زوجه خديجة صاحبة الجاه والمال والسلطة الكبيرة والكلمة المسموعة في أهلها وبلدها، ما عاد كذلك بسبب موتهما.. وأن تعاظم انتشار المسلمين في الحبشة، وإقبال الناس على الإسلام في مواسم الحج المزعوم عند الجاهليّين، وتكاثر أتباعه في يثرب قبل الهجرة إليها… صيّره ذا قوة، ما عاد المشركون يتحمّلونها في بلدة واحدة… كل ذلك وأكثرُ… دفعه بوحي من الله أن يأمر المؤمنين بهجرة إيمانية فورية على حسب الاستطاعة إلى أرض خصبة (معروفة باسم يَثْرِب) لبناء دولة الإسلام بكل عناصرها وأبعادها.. بهجرة إلى المُنوَّرة المُعطَّرة.
وكان توقيت هجرته هو عليه الصلاة والسلام بعد تسارع الأحداث، والاجتماع الخطير الذي عقده أبو جهل مع زعماء الشرك، ولم يفوّته إبليس متشكّلًا، وتم فيه قرار اغتيال النبيّ عليه الصلاة والسلام؛ غَدْرًا وبقوة السلاح وكثرة المتآمرين..


وما إن علم المسلمون في الحبشة بالهجرة إلى المدينة حتى عاد بعضهم فورًا إلى مكة ثم المدينة، وبعضهم (بطلب من النبي عليه الصلاة والسلام) بعد سنوات إلى المدينة عبر سفينتين، بعد غزوة خيبر، السنة السابعة للهجرة.
قال الله تعالى: *{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}*[النحل]. نزلت في صُهَيب الرومي، وخَبّاب بن الأَرَتّ، وبلال بن رباح، وعمّار بن ياسر، رضي الله عنهم.
*تأمَّلْ كيف كَمَنَ شبابُ القبائل العربية في ليل بَهِيم بسيوفهم المشحوذة الأربعين لأفضل مخلوق أكرم إنسان، في أكبر مؤامرة في التاريخ.. كيف استبقى النبيُّ فِلْذةَ كبِده ولَدَهُ الذي ربّاه في حِجْره عليًّا (رضي الله عنه)؛ تمويهًا واستكمالًا لخطّة النجاة.. كيف خرج النبي المتوكل على ربه من داره، يمر برؤوس سيوفهم يرتّل فواتح سورة يٰس، وعنايةُ الله تحفظه، فإذا بالنعاس يغشاهم، معجزةً له، فيضع النبي على رؤوسهم بعضًا من تراب، لعل الله يهديهم، إذ يعرفون أنه منصور مؤيَّد من عند الله.. كيف يمّم دارَ صاحبه أبي بكر الصديق لينطلقا في هجرة على خطى النور.. كيف خرج المشركون يطلبونه في كل مكان يستطيعونه كالكلاب المسعورة.. والله متمّ نوره ولو كره الكارهون.. تأمَّلْ في كَوْن ذكرى الهجرة الشريفة أقربَ حَدَث تاريخي إسلامي إلى نفوس المسلمين.. لِما تختصر في تضاعيفها كلَّ حِكَمِ ودروسِ وعِبَرِ ومعاني السيرة النبوية.. تأمَّلْ كيف يَنْزَرِع في نفوس أطفال المسلمين التعلّقُ بصاحب الذكرى والمناسبة البشرى عليه الصلاة والسلام، من خلال كل تفصيل في الهجرة: الغارِ بنسيجه وعشّه وشجرته، واستقبالِ المسلمين المترقّبين لسلامة المهاجر العظيم وصاحبه، وأشهرِ أنشودة في تاريخ الإسلام تحكي لسان الحال:*
*طَلَعَ البَدْرُ علينا مِنْ ثَنيّاتِ الوَدَاعْ*
*وَجَبَ الشُّكْرُ علينا ما دَعَا للهِ داعْ*
*أيُّها المبعوثُ فينا جئتَ بالأمرِ المُطاعْ*
*جئتَ شرّفتَ المدينهْ مرحبًا يا خيرَ داعْ*
*كلمات بسيطة من السهل الممتنع، لعلّه نظمَها بعض العلماء الشعراء من رُواة السيرة العطرة، ولم يُعرَفِ اسمُه، لكنّ الله يَعْلَمُه وسيُجازيه على هذه الكلمات التي دخلت وتدخل صميم قلب كل مؤمن إلى يوم الدّين.*

د. ش. أسامة شعبان
صفحة فايسبوك الدكتور أسامة شعبان
@Dr.Ousama.Shaaban

arArabic