الصفحة الرئيسيةثقافة \ أبحاثمراكش الذاكرة

المدخل الطبوغرافي لمدينة مراكش الإسلامية الوسيطية 3/2

للمراكشية :ذ محمد الطوگي

علاقة المسجد بتخطيط المدينة الإسلامية أو نشأة عمارة المدينة الإسلامية :

يراعى في اختيار فضاء مشروع المدينة ، مواصفات استراتيجية، كالأمن الغذائي القائم على وفرة المياه، واتساع الفدادين، وخصب التربة ،ونقاءالهواء (12)، والتحصن الطبيعي الدارئ من تهديد الأعداء.

وأول ما يبنى بعد استكمال هذه المواصفات المسجد، وبالقرب منه القصر للعلاقة بين الديني والسياسي ثم الأسواق، وعلى مبعدة رمية رمحتبنىالمساكن، ويأتي السور بعد ذلك  ليحيط بكل ذلك إحاطة السوار بالمعصم، وخارجه تقام محترفات الصناعات الملوثة، كالدباغة، وأفران الجيروالفخار الخ. والبدء بتأثيث الفضاء بالمسجد ومراكز القرار سنة متبعة لأول مسجد بني في الإسلام.

لقدكان الإعلان عن مولد المدينة  الإسلامية بعد سبعة أشهر من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب (13) من أرض الحجاز،فإن أهل يثرب أقطعوا الرسول أرضا مواتا، وتولى بنفسه توزيعها على المهاجرين معه وعلى الأنصار، وأقام مسجده ومساكنه، وانتظمت الأحياء أوالخطط حول المسجد، وجعل مصلى العيد خارجها، وأنشأ السوق حولها، وتفرعت عن المسجد شوارع رئيسة تمتد شمالا وغربا وجنوبا، واستعمل دوربعض الأنصار للضيافة واستقبال الوفود، وحفر الخندق شمال المدينة وأقام سورا داخله حول المنازل القريبة منه، واهتم بالنظافة ومرافق السكان فأقام المنشآت الاجتماعية .

وقد أطلق على يثرب اسم المدينة لأنها مثلت تحولا في تاريخها، جاء ضمن التحول التاريخي الذي عرفته البشرية كلها، وهو يتمثل في تطوير جوهري لنفوس القبائل التي كانت تسودها العصبية والتشتت، وذلك بتوحيدها بفضل نظام سماوي جديد واضحة معالمه، بينة أهدافه .

وترجمت عن هذه الوحدة عمارة المدينة التي نظمت حياة المسلمين وفق الدستور الجديد المتمثل في القرآن، وأصبحت المدينة المنورة مثلا يحتذى فيكل منشآتها الدينية والمدنية” (14) فالرؤية الإسلامية الجديدة اقتضت تخطيط مدينة منسجمة مع نسقها.

فالتخطيط جامع  بين التصور والبناء والتنظيم والتنسيق والخصوصية، فخروج المدينة الجديدة الإسلامية عن عمارة مدن الحضارات  السابقة ناجم عنتغيير رؤية العالم ، فهناك علاقة جدلية بين ممارسة تدبير الشأنين الروحي والعام وسلطة  البناء،  إن أناقة الرؤية الإسلامية  الجديدة وجماليتها وروعتها وهديها إلى خير الدنيا والآخرة، استدعت مدينة في مستوى ألَقِها ونبل مقاصدها  (15).

أكدنا على أن تخطيط المدينة المنورة كان هو الطابع العام الذي ستحتذيه المدن الإسلامية الوسيطة مشرقيها ومغربيها، ونموذجنا هو مراكش .

arArabic