الصفحة الرئيسيةمنوعاتملفات خاصة

الراحل عبد الجبار لوزير يحكي كيف تعامل معه الحسن الثاني عندما إلتقاه

كتبها: عبد الصمد الكباص

عبد الجبار لوزير ، ما الذي يتجمع تحت هذا الإسم؟

و مالذي وهو وصل المحكمة فاستغل تواجده قرب الملك واستعطفه للتدخل لصالحه. فرد عليه المرحوم امام حشد من الفنانين وانا منهم «سير اعطي للسيد حقه.. فهمت ولا لا ..والا بغيتي تغني، هز ديالك وغنيه».


مرة قدمنا احدى مسرحياتنا أمامه بافران. كان الملك جد منشرح، استمتع كثيرا بادائنا عندما انتهينا التقط محمد بلقاس رحمه الله لحظة فرح المرحوم الحسن الثاني فصاح بصوت مرتفع «الله يبارك في عمر سيدي» فاتجه نحونا قائلا: «هاني.. آش كاين؟ اش خاصكم؟» فاجابه بلقاس: «نعم آسيدي بغيت تعطي واحد خمسين جلدة لعبد الجبار لوزير» ضحكنا جميعا ومازحنا الملك كعادته. لكن عندما انصرف ثارت ثائرة الحاج العربي احد مساعديه وانفجر غضبا قائلا:
«دايما غادي تبقاو فقراء. حيث قال ليكم الملك آش خاصكم راه تيعني كولو آش بغيتو، آش تتطلبوا. هذي فرصة من الذهب تيتمناوها الناس منين أولين. هاديك راه ابواب السما تفتحت ليكم.. او نتوما تتطلبوا العصا.. هي اللي خاصكم بالمعقول».
في الحقيقة كنا نعرف جيدا ان الملك يكره المتسولين.. وأكثر من ذلك كان سخيا في مكافآته. عندما يدعونا للعمل بالقصر نكون متيقنين باننا سنعود بما يكفينا نحن واسرنا لخمس سنوات. كان له تقدير خاص للفنانين. وهو نفسه كان فنانا. يعزف على عدة آلات موسيقية. وأكثر من ذلك رجل نكتة ويتحدث كمراكشي قح بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من ميل للبسط وتلقائية في التندر والمسرح «وللتقشاب»
عندما يستدعينا للعمل بالقصر يترك نهائيا شخصيته كملك ويصبح انسانا عاديا عنده ضيوف، فلا تسمع منه إلا النكت والضحك والخفة. بعيدا عن السياسة التي لها منطقها الخاص. صحبة الرجل كانت متعة كبيرة.
اذا كنا في جولة فنية وبلغنا أن الملك حل بمراكش نوقف الجولة ونعود على الفور الى المدينة الحمراء لأننا متيقنين أنه سيطلبنا. وذلك ما يحدث فعلا. العروض الخاصة به كنا نقدمها أمامه بصالة الكازينو بحي ليفرناج او بجنان الحصيرة، حيث تقيم الاميرة للا فاطمة الزهراء وزوجها مولاي العلي، أو الجنان الكبير او بالقصر الملكي بالقصبة.
الامير مولاي عبد الله ايضا قدمنا امامه عروضنا مرارا وتكرارا ، كان يستدعينا بقصره بعين عودة، بفضاء بديع مصاغ بكامله من الخشب. كان يستبقينا عنده خمسة او ستة أيام بمكافأة مجزية، السهرة تدوم عنده الى الصباح، ننتهي من التمثيل ونمر الى النكت و«التمشخير»..
كان رحمه الله رجل نشاط.. عند توديعه يقول لنا إما «سنلتقي في المساء» أو«استريحوا اليوم حتى أطلبكم». هذه الكلمات هي التي تحدد برنامجنا.
في سنة 1964 التحق بفرقة الوفاء عبد السلام الشرايبي والشحيمة وعبد الله العمري، وكلهم من فرقة الامل. اول عمل نقدمه بعد التحاق الشرايبي هو «الدار الكبيرة» وبعدها «مرض النسيان».
تدور أحداث هذا العمل في عيادة طبيب أصيب بمرض النسيان. أذكر أننا كنا نقدمها بسينما بلاص بمراكش. وكان من بين مقاطعها حوار تطلب فيه معلمة من بلقاس اخراج أدوات الدرس من المحفظة. فيمد يده الى قفة مملوءة بالخضر ويخرج حبة فجل كبيرة الحجم ويلوح بها قائلا «ها النحو الواضح» ويخرج أخرى ويقول «ها الجغرافيا».. وكان في مقدمة الجمهور أحمد بنسودة وزير الانباء حينها ومستشار الملك فيما بعد. عندما شاهد بلقاس يخرج «الفجل» من القفة ضحك الى أقصى حد الى أن سقط من مقعده.
نحن كذلك في التداريب لم نتمكن من ضبط أنفسنا الا بعد مرور شهور. كانت نوبة الضحك تجتاحنا كلما وصلنا هذا المقطع.
في الحقيقة الاشياء الجميلة تأتي بمحض الصدفة. ماوقع في هذه المسرحية هو أن بلقاس جاء الى التداريب بعدما مر من السوق بقصد التبضع. وصل بقفة مملوءة بالخضر والفواكه التي سيذهب بها فيما بعد الى بيته. وعندما بلغنا المقطع إياه من الحوار، رد بشكل غير منتظر وهو يخرج الفجل من قفته. فتهاوت أجسامنا من فرط الضحك. ومنذ ذلك اليوم أصبح هذا المقطع جزء أساسيا من المسرحية. عندما نصله يتوقف العرض لأزيد من خمسة عشرة دقيقة لأن الجمهور يدخل في حالة من الضحك الجنوني التي تصعب السيطرة عليه. في تلك الايام كان للناس استعداد كبير للفرح والبهجة والضحك.
اليوم هم عكس ذلك أكثر كآبة. ربما يعود هذا الى كثرة القنوات والفضائيات وما تقترحه من تجارب متنوعة في السينما والمسرح حتى أصبح الجمهور متجاوزا لما يقترح عليه محليا. ولولا الدعم الذي تقدمه وزارة الثقافة للفرق لكنا قرأنا الفاتحة علـى المسرح بالمغرب. فقد احتضر جمهوره وهو ينتظر… فإلى متى سيستمر هذا الصمود؟!

2008/9/19

arArabic