الصفحة الرئيسيةرأي

*التَّنَمُّر* اللفظ المستجد.. بقلم أسامة شعبان

 

“التّنمُّر” لفظ جديد مستحدَث في علوم النفس والتربية والاجتماع.. والذاكرة الاجتماعية في لبنان تعرف لفظ “نمَّر على فلان” إذا عرَّض به أو تعالى عليه أو ضايقه… والمتبادَر أنه لفظ لصِيق بتسلّط النَّمِر، وهو من أخبث السّباع..
والتنمر هذا منتشر في كل الأوساط، آكلة تنهش المجتمع، وسرطان يستشري في أوصاله… وما زال المتنمِّرون يتزايدون!
وهذا التنمّر يلبس أشكالًا متعددة، ويتمظهر بصور مختلفة.. وهو موجود منذ وُجِد الجنّ والإنس.. وهو في البيوت والشوارع والمدارس ووسائل التواصل الاجتماعي والسياسة والعسكر… وهو بمعنى من المعاني؛ عُنْف مؤذٍ وسلوك شائن؛ ومن ذلك أنه:
1- لفظي (وكتابي): وهو الغالب (نشر إشاعات مكذوبة، وتهديد، واستهزاء، ونكات، ونعوت قبيحة).
2- جسدي: (لَكْم ورَكْل وعضّ ونَغْز وصَفْع ودَفْع وخَنْق وطَعْن وخَدْش وشدّ شعر، وإتلاف ممتلكات وغصبها، وقهقهة وضحك).
3_ نفْسي عاطفي: (نظرة دُونيّة، وإشعار بالقَرَف، وعَزْل متعمَّد).

وهذا التنمّر قد يرجع إلى ضعف شخصية المتنمَّر عليه، وتسلّط المتنمِّر وفائض القوة، إذ يجد لذة في مشاكسة الأقران، وربما ينتقم من ماضٍ له كان فيه أسير شباك المتنمِّرين! فالتنمر في بعض حالاته مرض نفْسي يحتاج إلى مداواة وصبر ومجاهَدة…
الحاصل أن أسباب التنمر ونتائجه وحلوله وتوصيفاته ووضعياته كثيرة… وما يعنينا في هذه المقالة الخط الفاصل بين التنمّر والمباسَطة، بين الإيذاء وما يسمّى “المَقْلَب” والمزح المقبول، بين الاستهزاء وهَزّ الوَرْد لشمّه… وضابط هذا الخطّ الفاصل هو عدم المبالغة، والتزام الاعتدال، والمعرفة المُسبقة بمدى قبول الآخَر، والتلطّف واللباقة…
في الشريعة الإسلامية نجد مقابلًا لهذا التنمّر عبارات أخرى: التنابز بالألقاب، والاستهزاء، الاعتداء، والكذب لإضحاك الناس على فرد أو أفراد، التكبّر، وتصعير الخدّ…
والتنمر تنمّران: مقصود، وغير مقصود. فالمقصود يتطلب استسماحًا من المتأذَّى ومراجعة نفس.. فالعاقبة للتقوى.. وأما غير المقصود فيندرج مدرجَ التسرع وعدم توقّع العقائب (ويتطلّب الاعتذار رفعًا لشبهة الأذى المُتحقَّق)؛ فما دام المرء قد شكّ في أن فلانًا قد لا يتحمل المزح اللفظي أو الجسدي، ولا فحوى كلام معيّن عنه.. فليُزِلْ شكَّ وقوع الحرام بيقين الامتناع؛ ورعًا ومراعاةً وحفظًا لماء الوجه، وحق الآخَر.. وليتركْ صحبة السوء التي تزيّن قبيح الأفعال، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم الأثيم.. وليتحبّب إلى الناس بالقول الجميل، والفعل النبيل، ولْيكُن محتاطًا من إرعاب الآخرين وإرهابهم بغير وجه حقّ.. ولا يرضَ لغيره ما لا يرضاه لنفسِه وعِرْضِه..
أثبتت الدراسات بالإحصائيات وجود رابط قويّ بين التنمر والانتحار؛ فالصادم أنّ مِن أخطر نتائج التنمر تحوّلَ المتسلَّطَ عليه إلى عدواني، ومتراجع أكاديميًّا، ووحيد، وخائف، وغير متفاعل ومشارك، ومتقلّب المزاج، ومضطرب، وحَائر التفكير … كذلك وصوله إلى مرحلة قلّة الاعتداد بالنَّفْس، وعدم البَوْح للأهل والمقرَّبين للمساعدة، والكَبْت المتراكم، فالانغلاق التامّ، فاليأس، فالانتحار!

*تأمَّلْ كيف أن المجتمع الذي يكثر فيه التنمّر تَسُود فيه المقاطعة والتدابر والتنافر، ويكثر فيه الانتقام والتشفّي وردّات الفعل غير السّويّة.. تأمّل كون الكلمة الطيبة تجد لها مدخلًا إلى القلوب، فالفرحة لا تُبنى على تعاسة الآخرين في هذا المجال.. تأمّل في أن المتنمِّر عُرضة للتنمر، وليس في منأى عن ذلك، فالتنمر دائرة تَدُور.*

د. ش. أسامة شعبان
o.shaaban1976@gmail.com
o.shaaban@hotmail.com
facebook: الدكتور أسامة شعبان

arArabic