الصفحة الرئيسيةمراكش الذاكرة

هكذا كان المراكشيون يتزودون بالماء قديما/2

بقلم الدكتور حسن جلاب
 

أسلوب الساقية:

استفاد الموحدون من أسلوب الري والتوزيع الذي أقامه المرابطون إلا أنهم كانوا بحاجة ماسة إلى الماء، تفوق حاجة سابقيهم. فمبدأ “تعميم الخلافة” من عناصر العقيدة الموحدية، ولا يمكن أن يتحقق هذا التعميم دون قوة اقتصادية (فلاحية وصناعية) وعسكرية (السيادة على البحار)، فكانت الحاجة إلى الماء للري ولتعليم طلبة “المدرسة المومنية” أساليب العوم والتجذيف في الصهاريج التي ستبنى لهذا الغرض قبل التحاقهم بالسقي في البحار والمحيطات.
وقد تمكنت أودية حوض الحوز، و جبال الأطلس، خزان المياه – من تحقيق ذلك، وخاصة أودية نفيس، غيغاية وأوريكة التي تصب في تانسيفت:
1- لما تولى عبد المومن مقاليد الحكم أنجز المشروع الذي فكر فيه المرابطون وهو جلب ماء الأطلس، فمد ساقية تسلطانت (ساقية السلطان) من وادي وريكة. وحفر نوعين من الصهاريج:
أ- وسط «البحائر” لتزويدها بالماء قصد سقي المزروعات والأشجار كصهريج أكدال الذي كان يسقي عراصي: أكدال، وجنان العافية، وجنان السمارة، وذكر صاحب البيان المغرب أسماء عراصي أخرى: كعرصة الطلبة، وجنان الناعورة. كما أشار العمري في مسالك الأبصار إلى صهريج “أقنا” (صهريج كناوة) بالقرب من أكدال.(22)
وفي الاستبصار والحلل الموشية أن ضلع صهريج عبد المومن3 أميال، وأن مبيعات زيتون وفواكه عراصيه قد بلغت 30 ألف دينار مومنية مع رخص الفاكهة بمراكش.(23)
وقد شيدت على جنبات هذه الصهاريج منتزهات وقصور للراحة والاستجمام: كدار الهناء بأكدال، وقصر ابن جامع الوزير الموحدي، ومنتزه المنارة….
ب – صهاريج لتدريب الطلبة على العوم: أهمها في عهد عبد المومن صهريج البقر، وصهريج المنارة خارج باب الرب.(24)
2- في سنة 585 هـ أجرى يعقوب المنصور ساقية “اليعقوبية” طاهرة تشق المدينة من القبلة إلى الجوف، وأنشأ عليها السقايات لسقي الخيل والدواب واستـــــــقاء الناس. (25)
تمكن الموحدون بذلك من سقي منطقة طولها عشرون كلمتراً و عرضها عشر كلمترات جنوب المدينة (26) فإذا أضيفت إلى أسلوب الآبار والخطارات التي بقي معمولا صبه كذلك تبينت الأهمية الفلاحية التي أصبحت للمدينة و ضاحيتها.
– بعض عيون السواقي: لايخلو أسلوب الساقية بدوره من عيوب، منها:
أ – التبخر والضياع، و خاصة في فترات الحرارة حيث تشتد الحاجة إلى الماء.
ب – السرقة و تحويل اتجاهها قبل وصولها إلى صهاريج المدينة.
ج – الصراعات القبلية: كان الماء (السواقي خاصة) مصدر صراع دائم بين الفلاحين، مما أدى إلى ظهور أعراف وقوانين محلية لحل مشاكل التوزيع والسرقة…. وكان لشيوخ الزوايا الدور الكبير في حل هذه الخلافات .
ولم تنج سواقي الدولة من هذا الصراع وخاصة تاسلطانت التي كانت قبائل مسفيوة تطالب بها لمرورها بأراضيها وقد بلغ الصراع حدته في بعض الفترات التاريخية: كانوا على عهد محمد بن عبد الله العلوي يعمدون إليها بالليل فيفرغونها على جناتهم ومزارعهم إلى أن جاء المولى سليمان فأعياه أمرهم وأقطعهم إياها على ألف مثقال يؤدونها كل سنة. ولما تولى السلطان المولى عبد الرحمن انتزعها منهم رغماً عليهم وأعاد مياهها إلى صهاريج مراكش.(27) 
 و للشاعر ابن إدريس العمراوي قصيدة طويلة في الموضوع مطلعها: 
 وردت و كان لها السعود مواجهـــا  والحسن مقصور على أمواجهــا (28)
– ملاحظات على هذه الوسائل:
1- بقيت هذه الوسائل مستعملة إلى مشارف القرن العشرين مع محاولة الرفع من مردوديتها:
أ – عن طريق تعميق الآبار والإستعانة بالحيوانات وأغرور أو السانية لجذب الماء.
ب – صراع مع الخطارات لصيانتها وتنظيفها والرفع من مستوى صبيبها.
ج – تعميق السواقي وتقويم مسارها و الزيادة في تفريعاتها (المصارف، أبدو، الربطة… ) و قد ابتكر المغاربة نظاماً دقيقاً لتوزيع مياهها:
– النوبة: وتحددها أهمية صبيب الساقية، ومدتها يوم وليلة، تنقسم إلى فرديتين: فردية بيضاء (النهار) وفردية سوداء (الليل).
و تنقسم الفردية بدورها إلى أسهم بعدد المستفيدين منها.
 وبهذا الأسلوب كان الماء يوزع ويباع ويشترى.
 2 – لقد مرت المدينة وضاحيتها بفترات من الجفاف والقحط، فلم يكن من سبيل لتجاوزها إلا بالاستمرار في الاعتناء بهذه الوسائل العتيقة وطرق أبواب الممكن والمستحيل: الأولياء وكراماتهم، (كرامات أبي العباس السبتي في الاستسقاء)(29). إلا أن عطاءاتها لم تكن في مستوى حدة القحط أحياناً، ونمثل لذلك بسنوات 617هـ، 624 هـ، 630هـ، 923 هـ، 926 هـ، 929هـ، 948 هـ، 1022هـ، 1060هـ، 1070هـ، (عام كروم الحاج) 1159، 1193 هـ (30) فما كان منهم إلا اعتماد أسلوب أكثر نجاعة: 
– عبد العزيز التباع: اشتغل بالفلاحة ورعاية بستان شيخه السهلي مدة طويلة.
– عبد الكريم الفلاح، (سمي بالفلاح لاهتمامه بالفلاحة كان يشق السواقي ويحفر الآبار ويجهز الأراضي الفلاحية وكلامه (سأغرس في موضع كل سدرة شجرة، ولا يزال مراكش يعمر حتى يباع معطن البقرة بقيمة البقرة).(31)
– أبو عمرو المراكشي: سار على نهج شيخه السابق الذكر فكان من المهتمين باستصلاح الأراضي والبحث عن الماء وكان من أعظم مالكي الأراضي الفلاحية في الحوز (أغواطيم) وبضاحية المدينة (سيدي عباد، المخالص، التيايز، البطم،  وقسم من أحريللي…)
– عبد الله الغزواني: اهتم بدوره بالفلاحة سيراً على نهج شيخه التباع. وكان يحفر الآبار ويستصلح الأراضي والسواقي وقد وجه مريديه وتلاميذه في هذا الاتجاه وعينهم بمنطقة الحوز للاهتمام بها، عبد الله بن حسين الأمغاري دفين تمصلوحت وعبد الله بن ساسي بالحوز.
3 – كانت المياه والسواقي موضوع مراسلات مخزنية وظهائر الإنعام والتكريم، والاحترام والتوقير ولا نريد الإفاضة في هذا الموضوع، ونكتفي بالإحالة إلى:
أ – محفظة خاصة بالوثائق البوعمرية تتعلق بمراسلات حول ساقيتي توريكت وترزنيت الطالع ماؤهما من وادي غيغاية وماء عين تدقا وماء التوايز وماء تلجاسين، وماء تالعينت…. وغيرها من العيون.(32)
 ب – ظهائر سعدية وعلوية حول مياه الزاوية الأمغارية بتمصلوحت. (33)
 ج – ظهائر علوية حول بعض السواقي و المياه بمراكش (34)
 4-اعتبارا لطبيعة مناخ المدينة، وحاجة الناس المستمرة للمياه، فقد كان ثمن الماء مرتفعاً، ويمكن التعرف إلى ذلك من خلال هذه الأمثلة التي تبين أن نوبة أو نصف نوبة (أي جزء من ماء الساقية أو عين ) يساوي و يتجاوز أحيانا – ثمن دار أو مصنع للصابون أو حانوت تجارية:
 
 

هوامش:

1) البيان المغرب 4/19

2) البيان المغرب 4/19

3) 210-209 souvenirs de Marrakech p.

4) أنظر في مناخ المدينة:

G/ Roux : les éléments du climat de la région de Marrakech.

– G. Deverdum : Marrakech des origines à 1912/ p/ 5-8.

5) بواسطة الإعلام لعباس بن ابراهيم 59/1.

6)  البيان المغرب 4/19.

7) البيان المغرب 4/19.

8) روض القرطاس 138.

9) وصف إفريقيا 43-44، انظر الإعلام للتعارجي عباس بن إبراهيم 58/1.

10) تحدث محمود على مكي عن خطارات مدريد، ونيسابور، ومرو، والمغرب، وقبرص في كتابه: مدريد العربية ص 1-57.

11) أنظر في نظام الخطارات:

– ladreit de la charrière :

les procédés d’irrigation dans la plaine de Marrakech la nature n° 1149-1910.

– Gueytat : les adductions d’eau de la cité de Marrakech 1913 en 53 p/

– De troussou : les rhétaras de Marrakech/ France Maroc 1919.

– P. Roche/ L’irrigation dans le sud du Maroc, 1946 en 18 p.

– Streek : les rhétaras. Encyclopédie de l’Islam 2/751-753.

                              Marrakech des origines à 1912 p. 15-16/86-87 (12)/

13) 113/1 – Le Haouz DE MARRAKECH

14)   113/1 – Le Haouz DE MARRAKECH

15) بن الشرقي  محمد : ارتسامات ومعطيات تاريخية حول مدينة مراكش 19-20.

16) انظر الأثمنة والتفاصيل في كناشة رقم 26 بالخزانة الحسنية بالرباط

17) الإستقصا 4/234.

18) حوالة أوقاف الزاوية العباسية بمراكش مخطوطات الخزانة العامة بالرباط، ميكرو فيلم 119.

19) حوالة أوقاف زاوية الجزولي ميكرو فيلم 125.

20) مجموعة وثائق خاصة بالزاوية.

21) بن الشرقي محمد ص 19-21. 

22) عن ورقات عن الحضارة المرينية لمحمد المنوني ص 304.

23) الإعلام لعباس بن ابراهيم  1/69 و79.

24) 197 – 195p 1912à  – Marrakech des origines

25) عن مسالك الأبصار، انظر ورقات عن الحضارة المرينية ،304 والإعلام 1/59

26) 12-11و 1912– Marrakech des origines à 

27) معجم البلدان ج 8/7 والإعلام 1/91.

28) الإعلام 1/92.

29) أخبار أبي العباس السبتي، في ذيل التشوق لابن الزيات، تحقيق أحمد التوفيق، نشر كلية الآداب الرباط 1984.

30) الإستقصا: 2/262-264 و 4/147 و 6/111-112.

 Marrakech des origines à 1912 p 599

-Famines et épidméles B.Rosemberger et H Triki Hesperis 1973 et 1947        

31) شمس المعرفة

32) محفظة وثائق، خاصة في مراكش.

33) مكاتبات شخصية ورسائل مخزنية حول الناحية الحوزية P.Pascon T2.

34) كناشة رقم 26 من مخطوطات الخزانة الحسنية بالرباط.

35) 504-2 le haouz de Marrakech

36) انظر مضامين هذه القوانين و التواريخ صدورها في كتاب:  le haouz de Marrakech

37) انظر نص الاتفاقية في ميكروفيلم الخزانة العامة بالرباط رقم 1091.  

38) من هذه الشركات SODEA-SOGETA-CGEA-SEAP

arArabic