الصفحة الرئيسيةثقافة \ أبحاثمراكش الذاكرة

محمد بن محمد الموقت ناقدا من خلال مؤلفه الجيوش الجرارة

ذ. محمد الطوكي //كلية الآداب مراكش


مقاربة عتباتية لكتاب* :
الجيوش الجرارة في كشف الغطاء عن حقائق القوة الجبارة
موضوع المؤلَّف ميتا لغوي بامتياز. إنه بحث مستفيض، يتعلق بتفسير نص شعري مكون من بيتين وردا في غلاف ديوان أحلام الفجر . لشاعر الجماعة الوطنية بمراكش عبد القادر حسن (1915-1996). والبيتان من بحر الطويل، وقد كتبا بعناية وقصد وتحد أسفل صورة فوتوغرافية تعريفية للشاعر، العالم اليوسفي، الذي يبدو فيها خارجا عن زي العلماء بطربوش وطني حليق الذقن ببدلة عصرية وكلها سمات حاملة لدلالات سيميولوجية.
يقول محمد بن محمد بن عبد الله الموقت (1894-1949) : “لما وقفت على قول وطنينا الأستاذ السيد عبد القادر بن الحسين، بادئ ذي بدء في ديوانه أحلام الفجر وهو :
أنـا قُــُـــــوَة جبارة لا ترى لهــــا *** مقرًا ولو قد جاوزت فلك النجم
أنا مِثلُ نفسي لا أرى لي مُشابها *** وإن كان هذا القولُ جَلَّ عن الفهم
عَنَّ لي أن أعلِّق عليه بحثا مستفيضا” .
العنوان من الناحية الأسلوبية :
كان بإمكان المؤلِّف أن يكتفي بعنونة بحثه بعبارته الموجزة الشفافة وهي قوله كشف الغطاء عن حقائق القوة الجبارة. إلا أننا نجده قد عدَل عن الإيجاز، وركب أسلوب الإطناب المناسب لمقصدية الاستفاضة لديه. فهذا الأسلوب أتاح له تحسين العنوان وبيانه بلازم من لوازم القوة الجبارة ؛ وهو الجيوش الجرارة. وبهذا العدول تـأتى له الجمع بين السبب والمسبب، كما تأتى له تحسين العنوان وتجميله بصبغ بديعي كامن في السجع ، الجرارة- الجبارة.
أما من ناحية الصورة البيانية فإن في الجيوش الجرارة استعارة للمتاع النقدي، الذي سيعمله في النص الشعري، موضوع الرسالة، وبواسطته سيميط اللثام عن فحواه الذي وسمه الشاعر بأنه -جَلَّ عن الفَهم-.
وعلى كل حال فإن جاذبية عناوين المصنفات ظاهرة أسلوبية لا يكاد يخلو منها مؤلف من المؤلفات.
الظروف التاريخية لتولد النص:
لم تجئ كتابة هذه الرسالة هكذا اعتباطا أو صدفة، بل تولدت ضمن تاريخ واقعي خاص استدعاها، وتداخل فيها الذاتي والموضوعي ؛ ولهذا نرى من اللازم أخذ فِكرة عن الملابسات التي احتفت بها وكانت وراء تصنيفها.
طبع العمل بمطبعة البابي الحلبي بالقاهرة سنة 1937، وطبع ديوان أحلام الفجر متنها ومرجعها بالمغرب سنة 1936. فثلاثينيات طبع العملين يجعلنا نتوقف عندها ؛ لنستشف دلالتها وطنيا ومدى أثرها ووقعها في حياة المؤلِّف.
تمثل ثلاثينيات القرن الماضي في تاريخ المغرب الحديث، نهاية الحرب البطولية والمقاومة الشعبية للاستعمار، التي قادتها الأرياف والمناطق الجبلية والصحراوية، فخلالها ستنسحب البوادي مكرهة من المعركة المسلحة لعدم التكافؤ؛ لتترك المصير الوطني لمسؤولية المغرب الجديد للمدن التي ستقاوم ؛ ولكن انطلاقا من استراتيجية أخرى ؛ قوامها العمل السياسي المسالم، أو المعارضة السياسية الحضرية، المطالبة بإنجاز مجموعة من الإصلاحات التي نصت عليها معاهدة الحماية المبرمة بتاريخ 30 مارس 1912.
يقول عبد الله إبراهيم (1918-2005)عن هذه المرحلة المطلبية “لقد كان مطلب الوطنيين في إطار عقد الحماية أقل جدا مما يعدُ به عقد الحماية نفسُه، ومع ذلك فقد سجنوا وعذبوا ونفوا وقتلوا وأهينوا وشردوا، وشردت أسرهم أحيانا وضويقت هي أيضا في حياتها العادية أو قطعت عنها وسائل الارتزاق والعيش والكسب اليومي المشروع … – وفي هذا الإطار يقدم عبد الله إبراهيم مثالا من القمع الذي استهدف مدينة مراكش سنة 1937 – فهذا الشيخ الوقور العلامة محمد بن لحسن الدباغ (79 سنة)، مدرس سابق بمصر وأستاذ سابق في مسجد باريس، وعالم من علماء كلية ابن يوسف بمراكش، مختص في تدريس علم الكلام والمنطق والمقولات الأرستوطاليسية والبلاغة وأصول الفقه، يقوده إلى السجن شرطيون من رعاع الأوروبيون ووجه ملطخ دما، وسن من أسنانه الأمامية في يده، إذ أسقط على وجهه عند هبوطه من سيارة جيب، على إثر ركلة مفاجئة، سددها له أحد سفلة الشرطيين من الخلف، فانكب العلامة الجليل على الأرض وأصيب وجهه برضوض، وسقطت إحدى أسنانه الأمامية على عتبة السجن – أبو المهاريس – الذي سيق إليه، ليقضي فيه يوما واحدا ونصف ليلة ريثما ينقل على جيب عسكرية إلى مدينة تارودانت في الجنوب ؛ حيث أجبر على تنقية مجاري الوادي الحار فيها، ثم تبليط حي اليهود مع جمع آخر من الشيوخ الأجلاء المدرسين في كلية ابن يوسف بمراكش ومع القادة الوطنيين أيضا بمراكش. كما ألقي في نفس السنة 1937 القبض على مئات الأشخاص من بينهم شاعر الحمراء محمد بن ابراهيم، والمحسن الوجيه الشيخ مولاي الحاج السراج فسيقوا إلى المحكمة بدورهم كما يساق الأشرار وقطاع الطرق .
لقد اعتمل في هذا الزمن المغربي الثلاثيني الحديث مجموعة من العوامل ؛ السياسية والاجتماعية والثقافية أدت من جملة ما أدت إليه ؛ بلورة الشعور الوطني المرتبط بأصول سلفية. وقد كان لهذا الارتباط دور إيجابي تمثل في تحريك مجموع فئات المجتمع، وزرع بذور وعي جديد. ففي هذا المناخ سيعيش محمد بن محمد الموقت لحظات قلقلة، ومن تم ستعرف حياته منعطفا جديدا، حيث سيعيد النظر في رؤياه الصوفية على طريقة الشيخ فتح الله بناني الرباطي، ويعدل عن عبارة الفتحي مشربا عند التعريف بنفسه، ويتخذ سلفية محمد عبده منهج حياة وطريقة إصلاح. يقول عن محمد عبده في فصل مظهر من مظاهر القـوة الجبارة من مؤلفه : “ذاك الرجل صاحب تلك القوة المقدسة، والنفس الطاهرة الزَّكية ذلك هو شيخ الإسلام الأكبر، الأستاذ الإمام محمد عبده المصري قدس الله روحه وطيب ثراه… فهو، والحق يقال، مشرق النور وباعث الحياة، وعين الماء الصافية التي نلجأ إليها إذ اشتد الظمأ، والدوحة المباركة التي نأوي إلى ظلها إذا قوي لفح الهجير” .
فهذه الرؤية الريادية الجديدة هي الكفيلة، في نظره، بإخراج العالم العربي والإسلامي من درك التخلف، وهي معراج رقيه إلى مصاف الدول المتقدمة، وهي هيكل أعماله الإصلاحية، فعنها

صدر في إبداعاته الأدبية السردية المتمثلة في:
– الرحلة المراكشية أو مرآة المساوئ الوقتية، أوالسيف المسلول على المعرض عن سنة الرسول وتقع في ثلاثة أجزاء، مطبعة البابي الحلبي القاهرة 1933.
– أصحاب السفينة، القاهرة سنة 1935 .
– الرحلة الأخروية نشرت طبعتها الحجرية بفاس سنة 1946.
كما أن تلك الإيديولوجية السلفية هي مرجعية كتابه الميتالغوي، الجيوش الجرارة. القاهرة سنة 1937 .
إن تلقي هذه الأعمال الإبداعية لم يمر بسلام، بل أثار جدلا وردود فعل لدى خاصة المراكشيين وعامتهم ؛ بسبب نقده الجريء واللامهادن لمساوئ أهل زمانه، مما دفع بنخبة منهم إلى “أن استعدت عليه أعيان المدينة، المدنيين والدينيين جميعا، فطلبوا من السلطان أولا أن يعاقبه ثم رفعوا شكوى ضده إلى مراقبة السلطة القضائية الشريفة، وهي سلطة ممارسة الوصاية الفرنسية على المؤسسات القضائية المغربية، ولكن دون جدوى في كلتا الحالتين” .
ولم يشذ مؤلفه الجيوش الجرارة بدوره عن الإثارة والإزعاج. فإن بعض المحافظين قرأوا البيتين الشعريين لعبد القادر حسن موضوع الرسالة من منطلق عقدي فخلصوا إلى تبديع الشاعر وتفسيقه، فجاءت جيوش ابن الموقت مدافعة عن الشاعر الوطني الشاب، مؤولا البيتين تأويلا لطيفا سل الشاعر من الفسوق والعصيان وأعاد له الاعتبار. واتخذ ابن الموقت من البيتين موضوعا مسهبا أدمجه وأذابه في الهم الذي سكنه، وهو الإصلاح وريادة تحديث المغرب.

الجيوش الجرارة مباحث وقضايا :
يقول ابن الموقت : “عَنَّ لِي أن أعلق على بيتي الشاعر عبد القادر حسن بحثا مستفيضا وينحصر في مقدمة ومقصد وخاتمة.
أما المقدمة : ففي معنى قوله أنا قوة جبارة.
أما المقصودية : ففي بيان ما تقتضيه هذه القوة الإنسانية.
وأما الخاتمة : ففي بيان الأسباب التي تُنهض الأمة الإسلامية” .
وسنكتفي في هذه المقالة بالمقدمة التي عقدها لمعنى أنا قوة جبارة : استغرقت من الصفحة 14 إلى الصفحة 61 .
العبارة مركبة من الناحية النحوية من مبتدأ وخبر ونعت. وأما من الناحية المنطقية فهي من باب القول المركب. والمركب عندهم هو ما دل جُزءه على جزء معناه : أنا + قوة + جبارة. ومبدأ التركيب يقتضي معرفة دلالة كل جزء على حدة.
1- أنـــــا :
توقف ابن الموقت، منذ الوهلة الأولى، عند شرح المكون –أنا- من الجملة الشعرية. وهذا الشرح جعل أنا بمأمن من الالتباس بواجب الوجود – القوي الجبار- الذي تبادر إلى ذهن خصومه وبه بدعوه. فهذه الأنا في تحليل ابن الموقت إنسانية لها وجهان.
بَراني ظاهري، وجُواني باطني.
فالبراني جسماني يتراءى للعيان، مؤلف من أجزاء مختلفة مخلوقة من صلصال من حمأ مسنون، وبرودة عُنصر الطين في أصل الخلقة يُحيل على الاستكانة والخمول والإثقال إلى الأرض، أما جواني أو باطن ضمير –أنا- فهو فضاء توارد خواطر النفس والعقل والروح .
– فأنت بالنفس لا بالجسم إنسانٌ –
فالنفس هي التي تسمُو بالإنسان من حضيض الهوان إلى أوج المجد والسعادة والشرف. فحياة الإنسان محكومة بهذه الجدلية، بين برودة الطين الجاذبة إلى أسفل، ونورانية الروح وشفافيتها الدافعة والتواقة إلى الأعلى.

2- الـقــوة :
المكون الثاني من الجملة الشعرية القوة وهي تلك الطاقة الحيوية الكامنة في الأنواع ومن حيث هي “فإنها لا تستعمل إلاَّ لجلب المُلائم ودفع المكروه سواء كانت من شخص واحد أو جماعة متآلفة أو شعب من الشعوب. وسواء كانت بدنية مجردة عن سواها كما تراه في السباع الضارية الحيوانات الكاسرة، أو هي منضمة إلى السيوف القاطعة والآلات المحرقة مما يستعمله الإنسان في مواطن الغلبة والصيالة”… ومتى أطلق لهذه القوة العنان سفكت الدماء وأدلت الشعوب، وانتهكت حرمات الأمم، وسجنت حرية الإنسان في مطمورة الرق والاستعباد” .
والذي يضبطها ويحد من سطوتها هو القواعد القانونية، وعلى رأسها القانون الإلهي المتمثل في إرسال الرسل وتأييدهم بالحجج الدامغة وهذا التيسيج مما جعل الإنسان في مأمن متفرغا إلى الاستقرار والاعمار.
وإذا كان جوهر الإنسان كما قدمنا في المكون الأول، هو النفس، فإن هذه النفس في علاقتها بمبدإ القوة تنقسم إلى قسمين ضعيفة وأخرى قوية، فالضعيفة بطبعها كسولة بليدة ولهذا بقيت على همجيتها مستعصية عن الترقي. بينما القوية متحركة نشيطة تزداد نموا وتسموا بالتربية والتهذيب. ومن طبيعة هذه النفس القوية أنها كل يوم في شأن متجددة تأمر وتنهي وتقضي وتحكم كالراعي في رعيته.
“ومن أعجب أحوالها أنها إذا سرت في الكيان جعلتك ترى العالم كله منشرحا باسما، وتلك متعة لا تدرك إلى بالمكابدة، ومن تلك العجائب أن حركتها متأتية من داخلها. فالعلوم كامنة فيها وأن التعلم والتعليم – كما يذهب بعض الفلاسفة- لا يزيد على استخراج وتوليد ما هو كامن فيها، كماء الورد المقطر منه، والنار المنقدحة من الحجر نفسه بالاحتكاك “.
3- الجبارة وهي صفة ونعت للقـــوة:
الجبار إذا أطلق هكذا انصرف إلى الله عز وجل ومعناه الذي لا ينال. الذي تنفذ مشيئته على الإجبار في كل أحد ولا ينفذ فيه مشيئة أحد.
“قال القراء” لم أسمع فعالا من أفعل إلا في حرفين وهما جبار بن اجبر، ودراك من أدرك.
وقال الأزهري : جبار في صفة الله تعالى أو في صفة العباد من الإجبار وهو القهر والإكراه لا من جبر. ويقال قلب جبار لا تدخله الرحمة، ورجل جبار متسلط قاهر. قال عز وجل “وما أنت عليهم بجبار” أي متسلط فتقهرهم على الإسلام ويقال رجل جبار إذا كان طويلا عظيما قويا شبيها بالجبار من النخل، والجبار من النخل ما طال وفات اليد” .

وعقد ابن الموقت للقوة الجبارة عدة فقرات :
– فهي عبارة عن اتصاف المسلم بالحرية، وأن تكون مطمحه ورغبته دائما لا يبغي بها بديلا.
– وهي عبارة عن قوة الحق التي تقصم ظهر الباطل.
– وهي عبارة عن التمسك بالرابطة الإسلامية.
– وهي عبارة عن الغيرية المنفتحة على الإنسانية جمعاء.
والنموذج المقدم الذي استجمع، في نظره، خواص هذه القوة الجبارة هو ذاك الرجل، و”ال في الرجل للتنويه والتعظيم، فذاك الرجل عبارة افتتح بها مقدمة اثنتين وعشرين فقرة، كلها في تعداد خصائص ذلك الرجل العظيم وأنهاها في الفقرة الثالثة والعشرين مفصحا عن اسمه بقوله : “هو ذاك الرجل الذي نشر الحياة العلمية والنشاط الفكري، ووضع المنهج الواضح لتفسير القرآن الكريم، وعبد الطريق لتذوق العربية وجمالها، وصاح بالناس يذكرهم بأن العظمة والمجد لا يأتيان إلا بالاجتهاد والعلم والتقوى ومكارم الأخلاق… ذاك الرجل صاحب تلك القوة المقدسة هو الأستاذ الإمام محمد عبده” .
فمرجعية القوة الجبارة لدى ابن الموقت تحيل على سلفية أو ايديولوجية الشيخ محمد عبده خاصة، وهي نفسها مرجعية ومهوى فؤاد الشاعر الوطني عبد القادر حسن. يقول رفيقه في درب النضال عبد الله إبراهيم، ودافعه إلى ارتياد عوالم القريض الوطني، ومقدم ديوانه أحلام الفجر، يقول عن التيار الإيديولوجي الذي أخذت به الحركة الوطنية المغربية في ثلاثينيات القرن الماضي “وتنبغي الإشارة إلى أن التيار السلفي تياران : أحدهما ثوري وهو تيار جمال الدين الأفغاني ؛ وآخر معتدل وهو تيار محمد عبده. وهو فكر فقهي مستحدث. وهذا الأخير هو الذي كان له دور كبير في المغرب” .
فالشاعر بذلك البيت الحامل لتلك الإيديولوجية يتحدى المؤسسة الاستعمارية المرتبطة انطولوجيا بالمركزية الأوروبية القائمة على ثنائية المركز والمحيط . فالمركز بالنسبة إليهم هو نموذج ومثال التقدم والتطور، ويبقى المحيط مجال هيمنة المركز . ومقياس نمو الدول المُؤثِّثة للمحيط وتأخرها آيل في نظرهم إلى مدى القرب من المركز أو البعد عنه.
وفي إطار التحدي الإبداعي نجد الشاعر يثير المتلقي بعبارة ختم بها البيت الثاني وهي قوله – جَلَّ عن الفهم – مما يجعله يتلقى البيتين بمستوى تلق أشد.
وفي نظرنا فإن الصورة البيانية في البيت الأول قائمة على الاستعارة المتأسسة على المشابهة.أما البيت الثاني فيتحدث فيه الشاعر عن المماثلة لنفسه متحاشيا أن تذهب الظنون بالقارئ إلى المماثلة الفلسفية الظلية لواجب الوجود، وثنائية المشابهة / المماثلة صوفية بامتياز استثمرها الشاعر ذو الميول الصوفية – له قصيدة مطولة في أسماء الله الحسنى – وأعرض ابن الموقت عن استحضار تلك الثنائية في تأويله للبيتين، في نظرنا لا عن جهل بل لأن التطرق إليها يعود به، ويذكره بالرؤية الصوفية التي تجاوزها وأثارت من القلق ما أثارت .
نعم، لقد تطرقت الأعمال الصوفية إلى تلك الثنائية في معرض الحديث عن قضية التخلق بأسماء الله الحسنى، وانتهت إلى أن لكل اسم من تلك الأسماء له معنى خاص خصوصا لا يتصور فيه مشاركة لا بالمجاز ولا بالحقيقة. وهذا بحث من المباحث الدقيقة عند المتصوفة.
يقول الإمام الغزالي : “فالعبد إذا تخلق – بخلق اسم من أسماء الله الحسنى- لم يكن شبيها له، إذ معلوم شرعا وعقلا أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء، وأنه لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء، فأقول مهما عرفت معنى المماثلة المنفية عن الله عز وجل، عرفت أنه لا مثل له، ولا ينبغي أن يظن أن المشاركة في كل وصف توجب المماثلة “.
فمن خواص أسماء الله الحسنى أنه “لا يتصور فيها مشاركة لا بالمجاز ولا بالحقيقة، ولأجل هذا الخصوص توصف سائر الأسماء بأنها اسم الله عز وجل وتعرف بالإضافة إليه” .
تلكم كانت قراءة عتباتية تحليلية أسلوبية راوحت بين عنوان المؤلَّف ومقدمته أوقفتنا على توخي المؤلف الجمع بين جمالية العنوان ومضمون العمل، وتطرقنا إلى ملابسات تولد الكتاب الموضوعي منها والذاتي، وانتهينا إلى أن ثلاثينيات القرن الماضي وملابساتها على الصعيدين الوطني والعربي كانت خلفية الشعر الوطني – بيتي عبد القادر حسن – كما أنها هي نفسها خلفية بحث ابن الموقت الذي وسع مضمون البيتين وطوعه ليشمل فكره الإصلاحي العام. ونموذج ابن الموقت الإيديولوجي الذي استجمع، في نظره، سمات – القوة الجبارة – التي استنتجها تحليلا وتركيبا هو الشيخ محمد عبده. وسلفيته هي نفسها مرجعية الحركة الوطنية آنذاك ويعتبر الشاعر عبد القادر حسن من رموزها. وختمنا مقالتنا بالإشارة إلى الثنائية الصوفية. المشابهة / المماثلة الثاوية في البيتين استثمرها الشاعر إبداعيا وسكت عنها ابن الموقت إصلاحيا وتساءلنا هل ذلك عن موقف منه أو مما جل، كما يقول الشاعر- عن فهمه ؟.

* مداخلة الأستاذ محمد الطوگي في ندوة حول الفقيه الموقت بكلية الآداب بمراكش يوم الخميس 8 فبراير 

arArabic