الصفحة الرئيسيةمنوعات

شهادات صادمة من حي المحكومين بالاعدام .. ٥/ قاتل أمه من أجل حبيبته

منهم المجرم عن سبق إصرار وترصد، ومنهم المجرم بالصدفة، منهم من يأملون في الخروج يوما من السجن، ومنهم من لا يبالون بالحرية، بل ويرفضونها إذا كانت ستأتي بعد بلوغهم سن الشيخوخة والعجز، ومنهم من يتمنون تنفيذ العقوبة حتى يتحرروا من قسوة الانتظار القاتلة، ومنهم من حاولوا الانتحار أكثر من مرة. 
العشرات من المحكومين بالإعدام رفضوا الحديث إلينا، «ما بغيتش نتفكر الماضي، ما بغيتش نتفكر شنو درت، خليوني ننسى»، عبارة رددها الكثيرون ممن يعيشون حالة من العزلة داخل زنازينهم رافضين الغوص في ماض يغرقهم في الشعور بتأنيب الضمير. خلافا لهؤلاء قبل البعض الحديث إلينا، وإن كانوا هم أيضا وجدوا صعوبة في استرجاع ذكريات جرائم ارتكبوها في لحظات لم يتصور أي منهم خلالها أن يكون مصيرهم السجن في حي اسمه مرادف للموت. 
 
 

قاتل أمه من أجل حبيبته: حبيبتي لم تراسلني منذ دخلت السجن

بالرغم من فظاعة الجريمة التي ارتكبها في حق ثلاثة أشخاص، هم والدته وابن عمه وخادمة عمه، إلا أن رشيد لا يذكر شيئا من كل ذلك، ولا يبدي اهتماما بما اقترفه، أو حتى شعورا بالذنب إزاءه، كل ما كان يردده وهو يتحدث: «هاذيك بنادمة اللي على ودّها درت هاذ المنتيف خلاتني، تنسيفط ليها البراوات وعمرها ما سيفطات ليا شي برية». من خلال الحديث إلى رشيد يبدو جليا أنه يعاني خللا عقليا، فبشاعة الجريمة التي اقترفها كفيلة بأن تؤدي إلى جنون أي كان. بسؤاله مرارا عما إذا كان يشعر بالذنب بسبب ما اقترفه في حق والدته على الأقل، يرد: «بقات فيا الوالدة. واقيلة ما كانش خصني نقتلها، كون خليتها كون تتجي عندي، ولكن هي دارت غلط ملي ما بغاتش تزوجني بذيك بنادمة… الزكير ديالهم هو اللي خلاني نقتل». 
في شهر رمضان من سنة 2000، وبينما كان لايزال تحت تأثير المخدرات التي تناولها في وقت السحور قبيل أذان الفجر بقليل، هاجم رشيد والدته التي كانت في بيت عمه، فقتلها هي وابن عمه والخادمة، ويؤكد أنه كان سيقتل خاله أيضا لأنه كان من أشد المعارضين لزواجه بالفتاة التي اختارها بدعوى أنه كان يرغب في تزويجه بفتاة أخرى من العائلة. 
فجأة يغير رشيد روايته: «خالي رفض زواجي بالفتاة التي اخترت لأنه كان يريدني لنفسه، لقد كان شاذا!». بعد سقوط الضحايا مضرجين في دمائهم، أغلق رشيد باب البيت، ووضع على الجثث غطاء ثم صعد إلى سطح البيت، حيث قام بالهرب عبر الأسطح، قضى رشيد ليلته الأخيرة حرا كهارب قبل أن تطاله أيدي الشرطة في اليوم الموالي لارتكاب الجريمة.
يقول رشيد إن جميع أفراد عائلته قاطعوه، وذلك لم يفاجئه، لكن ما فاجأه مقاطعة حبيبته له، «راسلتها كثيرا لكنها لم تكلف نفسها يوما عناء الرد على رسائلي، آخر مرة راسلتها فيها أعادت إلي الرسالة من دون أن تقرأها حيث كتبت على ظهرها: «لا تراسلني مرة أخرى فأنا لن أرد عليك أبدا»، يؤكد رشيد أن صدمته بذلك الرد كانت أقوى حتى من صدمة الحكم عليه بالإعدام. 
سنوات طويلة مرت على رشيد في السجن قبل أن يرى والده الذي صار مواظبا على زيارته مرتين إلى ثلاث مرات في السنة، في حين قاطعه جميع إخوته ولم يرهم منذ أربعة عشر عاما، كل ذلك ليس مهما بالنسبة إلى رشيد، بل إن ما يحزنه بشدة أن الفتاة التي أحبها لم تؤازره، «أكيد أنها تزوجت وتعيش سعيدة رفقة زوجها وأبنائها بينما أنا أتعفن في السجن، ألم يكفها ما فعلته من أجلها؟ لقد تخليت عن الجميع، وواجهت كل من كان ضد زواجي بها!»، يقول رشيد قبل أن يغوص في أحلامه فتعلو محياه ابتسامة وهو يقول: «لو لم يعارضوا زواجنا لكنت الآن معها، ولما كنت ارتكبت تلك الجرائم التي بسببها حكم علي بالإعدام، كنا سننجب الكثير من الأطفال…». كشف رشيد أنه يتلقى علاجا نفسيا، كما يتم حقنه من حين إلى آخر بحقنة تجعله جامدا لبضعة أيام. تتسم تصرفاته داخل السجن بالعنف إزاء زملائه، «تنتعصب دغيا، وشي مرات تنفكر فالانتحار»، يقول رشيد قبل أن يختم بالرد على سؤال حول رأيه في الإعدام: «الإعدام؟ الإعدام هو الموت، أنا دابا ميت ما عندي أمل فالمستقبل، حياتي تحطمات وذيك بنادمة هي السبب».
arArabic