الصفحة الرئيسيةملفات خاصةمراكش الذاكرة

دار البارود جزء من جامعة ابن يوسف بمراكش

هذا البحث  كتبه الأستاذ الفاضل محمد الطوگي عبر جريدة معالم /المراكشية  قبل أن يتم نقل مؤسسة دار البارود من مكانها

أثيرت في الآونة الأخيرة – في أوساط المهتمين بالثقافة والشأن العام بمراكش قضية علاقة جامعة ابن يوسف بدار البارود وتجاذب الناس فيها أطراف الحديث والذي أثار هذه القضية وأخرجها إلى حيز التداول رواج الأنباء القائلة بنقل ثانوية ابن يوسف من موقعها الحالي بشارع محمد الخامس بجوار المنار الكتبي إلى جهة أخرى نظرا لأن مصلحة المدينة وجماليتها حسب الجماعيين من أهل الحل والعقد اقتضت دك دار البارود وضمها إلى الفضاء الأخضر الذي يوشي مجال الكتبية ويزينه

دار البارود احتضنت التعليم الثانوي بسلكيه وظل الابتدائي بمسجد الكتبية – منذ سنة 1959 لم تعد جامعة ابن يوسف تحتوي سوى على الابتدائي والثانوي دار البارود في الوثائق الرسمية ثانوية وفي الوثائق التربوية والإدارية جامعة . الانتقال من جامع ابن يوسف إلى دار البارود جاء بعد صراع بين المحافظين والمتنورين من الأساتذة والطلبة

تاريخ الجامعة اليوسفية حديثه ومعاصره

 أقامم لبنته الأساسية ابن عثمان بمصنفه الجامعية اليوسفية في تسعمائة سنة”. وأعلت صرحه موسوعة العلامة محمد بن إبراهيم الطعارجي “الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من “الأعلام” و”السعادة الأبدية لمحمد بن الموقت. وأخذت اليوم أقلام معاصرة من الأبناء البررة لهذه الجامعة تعمل من أجل التعريف بهذه المعلمة فظهر الجزء الأول من الثورة الخامسة للفرقاني محمد الحبيب التي تضمنت معلومات قيمة عن تاريخ الحركة الوطنية في أحضان الجامعة اليوسفية، إضافة إلى مذكرات أخرى وتاريخ شفوي حول هذه الكلية يدور في مناسبات شتى على ألسنة العلماء والشيوخ وهو بحاجة إلى التدوين.

للإشارة فالجامعة اليوسفية موضوع الحديث هنا لم تعد تحتوي سنة 1959 سوى على المستويين: ابتدائي وثانوي أما التعليم العالي فقد اجتث منها بصفة نهائية ليظهر في لبوس جديد ابتداء من 1963 في شكل كلية اللغة العربية التي ستقطع الصلة بابن يوسف لتصبح تابعة لجامعة القرويين وستبقى دار البارود حاملة لثانوية في الوثائق الرسمية للوزارة، وجامعة في الوثائق التربوية والإدارية المحلية. كما أنها ستبقى فردوسا ضائعا وحلما قد يأتي أولا يأتي في أذهان سلف لا يزال البعض منهم منتشيا بقشته من الجامع اليوسفي إلى دار البارد

من الجامع اليوسفي إلى دار البارود

في ضحى يوم خريفي من سنة 1959 هب طاقم من إدارة الجامعة إلى المسجد اليوسفي يزفون إلى الطلبة والمشايخ بشرى عزيزة استقبلوا فيها سنتهم الجديدة. طلبوا من الأساتذة وقف الدروس، ومن الطلبة الرسميين، خاصة المتحلقين حول أولئك الشيوخ، أن يصطفوا مثنى مثنى لمغادرة المسجد والتوجه إلى المؤسسة الجديدة دار البارود. خرجنا من الباب الغربي لمسجد ابن يوسف في صفوف متراصة تاركين وراءنا المستمعين الأحرار من الصناع والحرفيين والتجار وآخرين متناثرين في المسجد، شاهدين على نهاية الحلقات والمجالسات. ومن تم لن يبقى للجامع العتيق سوى دوره الديني البحث المتمثل في إقامة الصلوات وشيء من دروس الوعظ والإرشاد، وأيضا ذلك الصرح الديني والحضاري بموقعه وأعمدته وأروقته وبلاطاته وكل أشيائه التي تحكي عن قرابة تسعة قرون من الإشعاع الديني والثقافي والوطني وما إن أزفنا من مدخل دار البارود، واسمها يحيل الوضع على وظيفتها الأولى، الجامعة اليوسفية في لبوسها الجديد حتى ارتدت بي الذاكرة إلى سنة خلت 1958 زمان الدراسة في المدرسة العبدلاوية الحرة حيث في يوم من الأيام اصطحبنا مديرها العالم المناضل سيدي عبد لكريم الزمراني في رحلة دراسية قصد التعرف على بعض مآثر الدولة العلوية بمدينة مراكش . توقفنا عند محطات مختلفة من الآثار العمرانية للمدينة. وقبل وصولنا إلى دار البارود انعطف بنا نحو مسجد الكتبية وفي صحنه تحلقنا حوله مستظلين بشجرة أرنج وبصوته الهادئ قال: قبل الوقوف عند دار ،البارود، ارتأيت أن أعرج بكم على هذا المسجد العتيق لأن دار البارود به علاقة حميمية. لكن قبل الحديث عن تلك العلاقة ماذا تعرفون عن الكتبية ومسجدها .؟

تولى الإجابة عن هذا السؤال تلميذ نجيب سرد عن ظهر قلب مآثر الموحدين في المغرب العربي والأندلس، وقارن بين المنار الكتبي وحسان والخيرالدة.

اتخذ سيدي عبد الكبير من جواب التلميذ فرشا تمهيديا وعقب بأن بعض المائر لا تمثل ذاكرة دولة بعينها، فقد تصبح ظرفا ومكانا لذاكرة دولة أخرى لاحقة، وبذلك تؤول إلى ذاكرة مركبة أو كثيفة . وهذا ما يصدق على هذا المسجد. فإذا كان موحدي البناء، فإنه بعد نحو من ستة قرون وبالضبط في سنة 1271 ، سيعرف صحنه هذا الذي نقف عليه يوما مشهودا في تاريخ المغرب عامة ومراكش بصفة خاصة، فيه بويع سيدي محمد بن عبد الله. استمعوا إلى هذا النص الذي يقول فيه المؤرخ الضعيف ، وفتح المصدر الذي كان يتأبطه ” بويع لسيدي محمد بن عبد الله بجامع الكتبيين تحت شجرة ارنج بصحن المسجد بمحضر الأشراف والعلماء والأعيان وقواد الجند وأبطال القبائل وبعد انتهاء البيعة تهافت الجميع على تقبيل راحتيه وتقديم مراسيم التعزية في والده والتهنئة بالسلطة، فقابل الجميع بصدر رحب وواسى الضعفاء والمساكين ووصل الأشراف والعلماء وبذل في ذلك أموالا”

وأغلق الفقيه المصدر وقال : ماذا تعني البيعة في هذا الصحن تحت هذه الشجرة أو تلك، إنها تعني أن العاصمة قد انتقلت من فاس إلى مراكش. ولما أيقن أهل فاس أن كرسي الملك آل إلى مراكش، أسفوا وتأثروا لذلك، ومن حقهم أن يتأثروا بحب المدينة والتفاني في خدمتها، والتعلق بها، والاعتزاز بالانتماء إليها، ومن خلالها بالوطن كله من الإيمان. لقد بعث أهل فاس إلى جلالة السلطان سيدي محمد بن عبد الله بوفد يتكون من العلماء والأشراف والأعيان والوجهاء.

وفتح الفقيه سيدي عبد الكبير المصدر الثاني الذي كان معه في هذه الخرجة وقرأ: جاء في الإتحاف المؤرخ الدولة العلوية ابن زيدان : ولما علم أهل فاس بحلوله (السلطان)، بالحضرة المراكشية أوفدوا إليه جماعة من أعيانهم يستعطفونه في الأوبة للعاصمة الفاسية، واتخاذها محل استقرار ومقامته، فلاطفهم، وقرر أنه لا يمكنه المقام بأرض واحدة، وأنه يلزمه التطوف على سائر ايالته، والمكث بكل عاصمة من عواصمه مدة لائقة، يتيسر لأهلها ملفاتها ملاقاته، ورفع كل ما يهمهم إليه بدون أدنى مشقة. تلحقهم، وردهم ردا جميلا.”

وأغلق المصدر وعلق: قبل مجيء السلطان سيدي محمد بن عبد الله كانت مراكش بنهاية حكم المنصور الذهبي تسير تدريجيا نحو الانحطاط والخراب، إلى أن آلت في منتصف القرن الثالث عشر إلى كومة من الأنقاض و الأزبال، حسب مؤرخ المدينة القاضي عباس بن إبراهيم الطعارجي. ومع إمارة وملك سيدي محمد بن عبد الله ستشيد بالمدينة منشأت دينية وعمرانية، وستأخذ مراكش زينتها وبهجتها. وعلى سبيل المثال فالبساتين التي ترون بمقربة من هذا المسجد الكتبي – يستطرد سيدي عبد الكبير – كلها من تخطيطه وغرسه كان رحمه الله كلما بلغ أحد أبنائه الحكم زوجه ووهب له مسكنا رائعا خارج القصبة وأحاطه بالبساتين والجنان. وعرصات أبنائه لا تزال لحد الساعة حاملة لأسمائهم : عرصة المامونية عرصة مولاي عبد السلام عرصة مولاي موسى عرصة حسن

دار البارود رمز للقوة والتحدي

خرجنا من مسجد الكتبية واتجهنا نحو دار البارود التي تقع على بعد خطوات منه وبمجرد ما وقفنا ببابها تهلل وجه سيدي عبد الكبير وتلا “إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ” بالأمس القريب إبان الاستعمار الغاشم لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب من مدخل الثكنة العسكرية المواجهة للمدينة، تقف في وجهها مانعة متسلطة، حائلة بينها وبين فيلات الأوروبيين خارج السور. لكن قبل هذا العهد بناها سيدي محمد بن عبد الله ودعيت بدار البارود، والمقصود بالدار هنا المصنع على غرار دار السلاح، أي مصنع السلاح، ودار السكة . فدار البارود مندرجة في قضايا الصناعات الحربية في عهد السلطان المذكور وهي رمز القوة والتحدي تذكر بما وصلته الدولة العلوية في عهد السلطان من مناعة ومهابة.فچ

 

 

arArabic