الصفحة الرئيسيةرأي

الساعات الإضافية في التعليم .. الوصفة محدودية الصلاحية

أرشيف المراكشية / أستاذ جامعي

— قبل أقل من عشرين سنة كان اللجوء إلى الساعات الإضافية في المدرسة المغربية أشبه بدواء مسكن لا يُؤخذ من لدن المتعلم إلا بقدر معلوم، وحينما تدعو الحاجة إليه. وكنا نفتح أفواهنا من الدهشة ونحن نرى على شاشة التلفاز في المسلسلات أو الأفلام المصرية مدرسا يتوسط العشرات من التلاميذ المتحلقين حوله. وتشاء الأقدار التي نسج خيوطها الأوصياء على التعليم، أن يتحول المشهد التلفزي إلى واقع يومي، وذلك تزامنا مع التملص التدريجي للدولة من التعليم العمومي، وتشجيعها للمقاولات المدرسية أو ما يُعرف بمدارس التعليم الخصوصي


وقد انتشرت المدارس الخصوصية انتشارا واسعا، وأصبحت كالفطر لا يجاريها في هذا الانتشار سوى المؤسسات التي تقدم دروسا في الدعم آناء الليل وأثناء النهار، وجيش من المدرسين الذين يستقبلون في بيوتهم على مدار اليوم أفواجا من المتعلمين أو قد تبلغ الشهامة بالبعض إلى بيع خدماتهم النبيلة في عقر بيت المتعلم نفسه، وبعد أن كانت الساعات الإضافية في أول الأمر حكرا على المواد العلمية أو اللغات، أصبح للمواد الأدبية نصيبها المعلوم، وشمر مدرسو العربية والتربية الإسلامية والاجتماعيات عن سواعدهم، واتسعت الدائرة، وكأن عقل المتعلم أصابه عطب، ولم يعد قادرا على الفهم والإدراك
لو كان رواد الساعات الإضافية من تلامذة التعليم العمومي لما ترددنا في إلصاق كل جهالات العالم إلى هذا النوع من التعليم، وقد يسترسل الكثيرون معددين سلبياته. لكن ما يبعث على الحيرة أن التلامذة التعليم الخصوصي النصيب الأوفر من هذه الساعات. وقد يبدو خروج التلميذ مساء من مؤسسة التعليم الخصوصي، والتحاقه ليلا وأيام السبت والأحد مشهدا أقرب ما يكون إلى العبث منه إلى الواقع. ويصبح الأب أو الأم أسرى أبنائهم ينقلونهم على مدار السنة من هذا المدرس إلى ذلك. ويتفنن بعض مرتزقة الساعات الإضافية في إظهار المتعلم في وضعية من لا يفقه أي شيء، طمعاً في مضاعفة عدد الساعات.
إن مضار الساعات الإضافية أكثر من منافعها فهي لم تعد مثلما كانت في السابق دواء يستعمل لفترة محددة، بل صارت مُخدّرا ينهك عقل المتعلم ويعوده على استقبال المعارف دون المشاركة في إنتاجها، وما يُثير الاستغراب هو تحولها إلى وصفات طبية) محدودية الصلاحية تنتهي بانتهاء السنة الدراسية ويكون المتعلم مضطرا مع مطلع السنة الموالية لطلب وصفة جديدة.
من المفارقات أن جيل الساعات الإضافية تدنى مستواه إلى درجة تبعث على الإشفاق وبعد أن كان تلامذتنا يُشرفون المغرب في الجامعات الغربية، أقل في الوقت الحاضر نجمنا . وهي أعراض تدل على أن التعليم في المغرب ليس بخير. إن جشع بعض المدرسين وتهافت المتعلمين على الساعات الإضافية فيما يشبه الموضة ومجاراة الآباء لهذا التقليد السيئ، وصمت الوزارة الوصية هي كلها عوامل متداخلة تجعل من هذه الظاهرة واقعا لا أمل في الفكاك منه.

 

arArabic