الصفحة الرئيسيةرأي

الجميع حائرون … إلا الرئيس

اعتبر المنتدى الاقتصادي العالمي، في تقريره الصادر أخيراً، أن تونس تواجه مخاطر عديدة، في مقدمتها “انهيار الدولة”. وترسم منظمة هيومن رايتس ووتش صورةً قاتمة عن أوضاع الحريات وحقوق الإنسان خلال سنة 2022. مع ذلك، تصرّ السلطة على أن حالة البلاد سليمة، خلافاً لما يدّعيه من يريدون “التنكيل بالشعب”. وهذا يعني أن درجة الصّمم قد بلغت أقصاها، وأن الاشتباك بين الرئيس وخصومه مرشّح لكي يستمر ويتعقّد، إلى أن يصل إلى مرحلة اللاعودة، والمؤشّرات على ذلك عديدة.

أعلن ثلاثمائة محامٍ أو أكثر انحيازهم لزميلهم العياشي الهمّامي. تجاوزوا خلافاتهم الكثيرة وانتماءاتهم السياسية والأيديولوجية، ووقفوا صفّاً واحداً في وجه وزيرة العدل القريبة جداً من الرئيس قيس سعيّد التي تقدمت بشكوى ضد رئيس “الهيئة الوطنية للدفاع عن الحريات والديمقراطية”. اعتبروا أن التهمة الموجهة إليه باطلة، وقائمة على مرسوم 54 الذي يصفه الجميع تقريباً بأنه “سيئ الذكر”، نظراً إلى طبيعته المعادية لحرية الرأي والتعبير، وهو المكسب الذي حرّر التونسيين من حالة الكبت التي سادت طويلاً في عهد الرئيس بن علي.

ساند المحامون التونسيون زميلهم بصفته “منسّق هيئة الدفاع عن القضاة المعفيين” الذين لا يزال رئيس الدولة مصرّاً على طردهم من القضاء، وأحال 13 منهم على قطب الإرهاب، وهو ما اعتبره الهمّامي محاولة من وزيرة العدل التنكيل بالقضاة من خلال فبركة قضايا كاذبة، بغرض التنكيل بهم. لهذا اعتبروا القضية سياسية بدرجة أولى، وتهدف إلى إسكات المعارضين من مختلف التيارات.

هكذا خسر الرئيس سعيّد قطاع المحاماة، معزّزاً بذلك مواقع الخصوم إلى جانب قطاعات استراتيجية أخرى، فالذي يعادي حاملي العباءة السوداء يعرّض نفسه لخسارة سياسية فادحة. لهذا تجنّبهم الرؤساء السابقون، بمن في ذلك بورقيبة، وهو محامٍ، وزين العابدين بن علي، وهو جنرال. لا يعني أن الرئيسين وقفا إلى جانب المحامين والقضاة، وإنما حرصا على إدارة المعركة بطريقة مختلفة شكلاً ومضموناً، حتى يخفيا جوهر الصراع المتمثل في تحقيق الهيمنة مع سحب البساط من الخصوم.

السلطة متوجّسة من اليوم السبت، 14 جانفي (يناير/ كانون الثاني)، بعد أن قررت أغلبية الأطراف، رغم اختلافاتها، النزول إلى الشارع للاحتجاج ومطالبة الرئيس سعيّد بالرحيل، باستثناء الاتحاد العام التونسي للشغل الذي فضّل توجيه مبادرة اقتصادية واجتماعية إلى رئيس الدولة، بمعية بعض المنظمات المدنية، ظنّاً منه (الاتحاد) بأن خطوة من هذا النوع قد تثني الرئيس عن مواصلة السير في طريق مسدود. وهناك من يعتقد أن الاتحاد فعل ذلك من أجل إنقاذ سعيّد من المأزق الذي تردّى فيه، بدل أن يعزز صفوف المعارضة، ويختار استراتيجية القطع والقطيعة مع السلطة، والدفع بها نحو خيارين: التراجع والاعتراف بالفشل، والقبول بالحوار وتقليص صلاحيات الرئيس ومنح جزء منها لحكومة سياسية تضع خريطة طريق تقود نحو استعادة الشرعية وإنقاذ الاقتصاد. أو الدفع بالرئيس نحو الاستقالة وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية سابقة لأوانها.

السلطة مرتبكة، وهي تحاول أن تمنع جبهة الخلاص من التظاهر في عيد الثورة، وتبحث لذلك عن أعذار قانونية. تتغير المعطيات الميدانية بسرعة، وبشكل يومي. الإشاعات تملأ البلد. ولكن يصعب التسليم بأن تونس بلغت في عدّها التنازلي نقطة الصفر، وذلك على الرغم من أن جميع الأضواء الحمراء قد اشتعلت، وأخطرها أن الرئيس يعيش في عزلةٍ محيّرة، ولا يملك بدائل يمكن أن ينفع بها شعبه المحبط. صحيحٌ أن الجميع تقريباً يفكّرون في سيناريوهات ما بعد الرئيس قيس سعيّد. هذا ما يصرح به بعضهم علناً، وآخرون يفكرون فيه بدون ضجيج، وربما داخل غرف مغلقة. ورغم هذه الأجواء القاتمة، ما يقال أو يكتب هنا وهناك غير كافٍ للاعتقاد بأن تونس ستخرج قريباً من أزمتها، سواء بطريقة دستورية سلمية أو عبر سيناريوهات أخرى. المؤكّد أن الرئيس غير عابئ بما يحصل في البلد، موجّهاً اهتمامه نحو نقطة وحيدة في جدول الأعمال: تنظيم الجولة الثانية من الانتخابات!

مقال “صلاح الدين الجورشي”/ المصدر: العربي الجديد

arArabic