الصفحة الرئيسيةملفات خاصةمراكش الذاكرة

أول منشأة ثقافية بمراكش .. مكتبة الشعب الصغيرة بحجمها والشهيرة بتاريخها

عبد الكبير الميناوي / مقال نشر بالتوازي في جريدة الشرق الأوسط وجريدة المراكشية نت

الأديب والكاتب الإسباني المعروف خوان غويتصولو صديق المكتبة

الأديب والكاتب الإسباني المعروف خوان غويتصولو صديق المكتبة

يحلو لسياح مراكش، وخاصة الفرنسيين منهم، أن يتوقفوا أمام «مكتبة الشعب»، التي توجد في قلب المدينة القديمة من مدينة مراكش، على مسافة مائة متر من حلقات ومطاعم ساحة جامع الفنا. يبتسمون، فيما يرفعون أعينهم للتمعن في مضمون اللوحة التي تعرف بالمكتبة الصغيرة، والتي تقرن عبارة «مكتبة الشعب»، المكتوبة بالعربية، بعبارة «فناك بربير»، المكتوبة بالفرنسية، مع وضع رسمين لـ«برج إيفل» الباريسي وصومعة «الكتبية» المراكشية، في جانبي اللافتة، مع لوحة مكتوبة بالفرنسية، يقول مضمونها إن «مكتبة الشعب» هي أول مكتبة في مراكش، مع إبراز عام 1941، تاريخ فتحها.

لكن كيف استطاعت هذه المكتبة الصغيرة، المنزوية في ركن ذلك الحي الذي يعود إلى فترة حكم السعديين، أن تثير الإعجاب والاستغراب، في آن؟ وما هي هذه الـ«فناك» الفرنسية، التي تشبهت بها «مكتبة الشعب» المغربية، بشكل أضاف إليها شهرة الحاضر بعد شهرة الماضي؟

يقول الموقع الإلكتروني الخاص بالمؤسسة الفرنسية «فناك»، والذي زارته «الشرق الأوسط»، إن المؤسسة فتحت أبوابها عام 1954، وإنها، اليوم، رائدة في توزيع كل ما يرتبط بالشأن الثقافي والمعلوماتي، من كتب وأقراص مدمجة وأدوات تصوير وأقراص موسيقى وأفلام وألعاب إلكترونية وحواسيب وهواتف محمولة، وأنها تحقق رقم مبيعات بملايين اليورو، مما بوأها مكانة ضمن أفضل 20 مؤسسة في مجال التوزيع في فرنسا، وأفضل 500 مؤسسة على الصعيد الأوروبي. وكانت مؤسسة «فناك» افتتحت في الثاني من شهر يوليو (تموز) الماضي، في مدينة أفينيون الفرنسية، فرعها رقم 135 على المستوى العالمي، والـ 78 على مستوى فرنسا. وهو فرع يعمل فيه 42 مستخدماً، ويغطي مساحة 1973 مترا مربعا، ويضم 53 ألف كتاب و16 ألف قرص مدمج و«دي في دي»، فضلا عن الفضاءات المخصصة لألعاب الفيديو وغيرها.

وأخذاً بعين الاعتبار لكل هذه الأرقام والمعطيات الخاصة بمؤسسة كبيرة من حجم «فناك» الفرنسية، فإن لسياح مراكش المغربية، وخاصة الفرنسيين منهم، كامل الحق في أن يتفكهوا أو يستغربوا لمشهد اللوحة المعلقة وحجم المكتبة المراكشية، وأن يلتقطوا صوراً لها أو بالقرب منها، يضعونها في مدوناتهم ومواقعهم الإلكترونية الشخصية أو يرسلونها إلى أحبابهم وأصدقائهم، على سبيل النكتة أو الذكرى.

وما يبرر للسياح الفرنسيين احتفاءهم بالمكتبة المراكشية، الصغيرة بحجمها، والغنية بتاريخها، أنهم بالكاد تركوا مدنهم الفسيحة، التي لا تكاد تخلو من بناية شامخة لأحد فروع مؤسسة «فناك» الشهيرة، ليجدوا أمامهم، في مراكش المغربية، محلا تجاريا مساحته متران مربعان يرفع لوحة تبدو معها كما لو أنها فرع من فروع مؤسسة «فناك» الذائعة الصيت.

وزارت «الشرق الأوسط»، التي سبق لها أن زارت فروع «فناك» بمدينتي نانت وتولوز الفرنسيتين، الـ«فناك» المراكشية، حيث التقت السيد حسن أيمان، صاحب المكتبة الصغيرة، التي تعرض على زبنائها، الذين هم في غالبيتهم أجانب، كتب الطبخ والموسوعات، إضافة إلى مطعم مغربي في الطابق الثاني.

وتحدث السيد أيمان لـ«الشرق الأوسط» عن «مكتبة الشعب» بإعجاب وافتخار لافت، فقال إن الفكرة جاءت مباشرة بعد زيارة سابقة قام بها إلى فرنسا، حيث وقف منبهراً أمام حجم وفخامة الـ«فناك»، هناك، قبل أن يضيف:«كان ذلك في عام 1994. قلت لنفسي لماذا لا أجعل اسم «فناك» عنواناً إضافياً يعرف بـ«مكتبة الشعب». واليوم، يقول لي السياح إن «فناك بربير» هي أصغر «فناك» في العالم. لكن، علي أن أشدد على أن ما قمت به لم يكن تحايلاً، بل إعجاباً بمؤسسة تدافع عن حق الجميع في المعرفة والتعرف على جديد التكنولوجيا.

قال أيمان حسن في البداية، كتبت «فناك» بنفس الأحرف التي تكتب بها «المؤسسة الأم»، أي (FNAC)، ثم توصلت برسالة، بعدها من مكتب يمثل مؤسسة «فناك» بالدار البيضاء، طلبوا مني من خلالها أن أغير أو أحذف العلامة الفرنسية، ولم يكن أمامي إلا أن أعدل في الحرف الأخير من الكلمة، التي صارت (FNAQUE)، ثم صورت واجهة المحل مع العلامة المعدلة، وأرسلت إليهم جواباً يتضمن إخباراً، معززاً بصورة عن التعديل الذي قمت به. وسواء كانت «فناك» بحرف (C) أو (QUE)، يبقى المهم أن «مكتبة الشعب»، ظلت تحافظ على قيمتها كعلامة من علامات مراكش، وعنواناً لضبط المسافات وتحديد الوجهات بالنسبة للسياح، الذين صاروا يقبلون على تصويرها بشكل لا يتصور، حتى أنهم يأخذون صورها أكثر مما يأخذون صوراً لمؤسسات أثرية، من قبيل «قبور السعديين» و«مدرسة بن يوسف»، مثلا». وليست علاقة «فناك» المراكشية بالـ«فناك» الفرنسية، هي سر شهرة «مكتبة الشعب» المغربية، فقط، ما دام أنها تجر خلفها تاريخاً غنياً يؤرخ، في جانب منه، للنضال ضد الاستعمار الفرنسي، بشكل خاص.

ويقول ايمان إن ««مكتبة الشعب» افتتحت في عام 1941، وكانت تبيع كتب التراثية والفقه والآداب العربية والدين والحديث. وبدأت قصتها مع والدي محمد بلحاج الكتبي وصديقه المهدي العاصمي، وكانا منخرطين في حزب الاستقلال، ولذلك تم نفيهما وحبسهما من طرف الاستعمار أكثر من مرة، حيث كانت «مكتبة الشعب» أشبه بمركز لترتيب مواعيد لقاءات سرية بين الوطنيين في منازل بعينها حتى لا تتم إثارة الانتباه، خاصة أنها توجد في حومة «القصور»، التي كانت معروفة كمسكن للمقاومين والوطنيين، أمثال مولاي أحمد المنجرة ، وعبد الله إبراهيم».

ومن جهته، يستعيد نور الدين أيمان، الأستاذ الجامعي، وشقيق حسن، تاريخ «مكتبة الشعب»، من جهة الاهتمام الذي ظلت تثيره في حياة المدينة القديمة، فيقول «إن «مكتبة الشعب» أثارت الاهتمام، منذ تأسيسها في بداية عقد الأربعينيات من القرن الماضي، من جهة أنها كانت فضاء للحركة الوطنية ومنطلقاً للمناضلين والمقاومين، وملاذاً لطلبة بن يوسف للتزود بالمنشورات، كما كانت متعهداً لتوزيع جريدة «العلم» بشكل حصري في كل مراكش، هي التي أغلقت أبوابها خلال فترة الاستعمار الفرنسي لفترات متفرقة، بعد نفي صاحبيها، وضمنهما والدي، إلى خارج مراكش. ثم أثارت الاهتمام بسبب الشق الثاني من تسميتها الجديدة، التي تتشبه، من خلاله، بمؤسسة «فناك» الفرنسية الشهيرة.

وفي داخل «مكتبة الشعب»، رغم صغر حجمها، جلس الكاتب الإسباني خوان غويتصولو ومثقفون آخرون مشهورون. وأذكر أن غويتصولو كتب، ذات مرة، أن «تميز «مكتبة الشعب» لم يأت، فقط، لأنها أقدم مكتبة بمراكش، وإنما لأنها، أيضاً، نقطة التقاء مثقفين وكتاب وفنانين يجلسون بجانبها على كراس وضعت لأجل ذلك، يتكلمون في كل شيء، رغم ضجيج الحركة المحيطة بها. إنها مكتبة، بدونها تفقد المدينة القديمة بعض روحها».

واليوم، يبدو أن «مكتبة الشعب»، الصغيرة بحجمها والشهيرة بتاريخها، استطاعت أن تضمن لنفسها مكانة في حاضر المدينة المتسارع بتحولاته، لتظل شاهداً عن التاريخ المعاصر للمدينة الحمراء، رغم أنها عدلت في مشيتها قليلا، فصارت مقهى ثقافي يزخر بكتب المعمار والطبخ والأزياء والصناعة التقليدية وخرائط ودليل المدينة، أمام سياح المدينة الحمراء.

arArabic