الصفحة الرئيسيةثقافة \ أبحاث

تقاليد وطقوس الاحتفال بعيد المولد النبوي بمراكش

يشكل الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف بالحاضرة المراكشية، مناسبة دينية غالية دأبت على تخليدها ساكنة المدينة من خلال مظاهر وطقوس وتقاليد أصيلة ترسخت في تراثها الحضاري الذي تعتز به

 فالاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، الذي يعتبر مظهرا من مظاهر حب الرسول وإجلال شخصيته في نفوس المسلمين، يكتسي في المقام الأول بالنسبة للمراكشيين طابعا دينيا واجتماعيا حيث تلتقي الأسر فيما بينها لما لذلك من دور في ترسيخ الروابط والأواصر والتمسك بالتقاليد المغربية الأصيلة والتشبث بالقيم ومنح القدوة للأجيال الناشئة.

وترتبط هذه المناسبة الدينية الجليلة عند أهل مراكش بعدد من الطقوس التي دأبوا على ممارستها والتي تؤكد مدى تمسكهم بالدين الإسلامي الحنيف وتشبثهم بقيمه السمحة.

وتتنوع مظاهر الاحتفال بهذه الذكرى عند المراكشيين بين المواكب الدينية ومجالس العلم، وتلاوة القرآن الكريم، وقراءة الأمداح النبوية، والأذكار، وسرد السيرة النبوية الشريفة، وإقامة المولديات في المساجد، وتنظيم المواسم الدينية في الزوايا تخليدا لهذه الذكرى العطرة.

ولعل أبرز مظاهر الاحتفال بهذه المناسبة التوجه الى بيوت الله رفقة الأطفال وإحياء ليلة الذكر بما يليق بها من خشوع وإجلال روحاني لذكرى مولد سيد الكونين وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

كما يعتبر الاستماع إلى “الطلبة”وزيارة الأضرحة، من أهم العادات والطقوس للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث تشهد الأضرحة والزوايا نشاطا متميزا ومكثفا في هذا اليوم، الذي تنظم به أمسيات للسماع والمديح وترتيل القرآن الكريم ترتيلا جماعيا، إلى أن يأتي وقت تناول وجبة العشاء التي تكون في الغالب عبارة عن أطباق من الكسكس المغربي التقليدي.

كما يرتبط إحياء هذه الذكرى لدى ساكنة الحاضرة الحمراء بعدد من الطقوس الاجتماعية التي تؤكد مدى تشبثهم بقيم التضامن والتآزر التي يدعو اليها الدين الاسلامي.

ففضلا عن تبادل الزيارات، ترتبط هذه المناسبة في التقليد المراكشي بختان الأطفال، الذي تعد له الأسرة العدة اللازمة، الى جانب عمليات إعذار جماعي تقام طيلة أسبوع عيد المولد النبوي ببعض أضرحة الرجالات السبعة لمراكش ك (مول لقصور)، و(سيدي بلعباس ).

وتبدي الأسر بالمدينة الحمراء اهتماما كبيرا للاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، حيث تقوم ربات البيوت بتحضير وجبة “العصيدة”، التي يحبها الأطفال، وهي عبارة عن أكلة تحضر من السميد المسقي بالزبدة والعسل، ويرجح البعض أن الآخذ بهذا التقليد في تحضير هذه الوجبة يرجع الى أن بعض المهتمين بالسيرة النبوية يقولون إنها كانت مفضلة في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم).

وأوضح الباحث والاستاذ الجامعي في أصول الفقه محمد الطوكي، في تصريح  للصحافة، أن بدايات الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف بالمغرب بشكل عام، يرجع إلى منتصف القرن السابع للهجرة وأن هذا الاحتفال عرف ازدهارا في العهد المريني ثم الوطاسي من بعده، فكان الملوك أنفسهم يرأسون مهرجانات المولد ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، كما أصدر السلطان أبو يعقوب يوسف المريني، أمرا بوجوب إحياء ليلة المولد النبوي واعتبارها عيدا رسميا كعيدي الفطر والأضحى.

وأضاف الباحث المغربي، أن قصائد المديح النبوي المنظومة بهذه المناسب من الوفرة بمكان منه “اليمن الوافر الوافي في امتداح الجناب اليوسفي”، كما نسجت الموشحات والأزجال الخاصة بهذه المناسبة.

وأبرز أن هذه المناسبة ارتبطت أيضا في الذاكرة المراكشية بجانب آخر، يتعلق، بتوظيف الاحتفال بعيد المولد النبوي في فترة الحماية، توظيفا يجمع بين الديني والوطني، أي يستجيب لتطلعات الحركة الوطنية بزعامة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، مستدلا في هذا السياق بأن منابر المساجد والزوايا بمراكش كانت تلقى بها دروس في تفسير القرآن الكريم، وشرح الحديث، والسيرة النبوية.

وأضاف أن هذه الدروس، التي كان يلقيها علماء وشباب القرويين بفاس وابن يوسف بمراكش، كانت تأخذ شكل الحلقات العلمية الدينية المفتوحة على الطريقة التقليدية، لكن محاورها كانت ذات طابع سياسي يحفز الجماهير على مقاومة المستعمر.

وأشار إلى أنه على إثر ادراك المستعمر لخطورة هذه الدروس على بقائه في المغرب عمد باشا مراكش ليلة المولد النبوي لعام 1356هـ (1937م) إلى منع الاحتفال بهذه المناسبة، فأقدم معاونوه على احتلال مساجد مدينة مراكش، ودخولها بنعالهم، وإخراج المصلين منها وإغلاقها مدة أربعة أيام مذكرا بقول الشاعر محمد بن اليمني الناصري (1891-1971) في هذه الواقعة:

ما بال مراكش باتت على مضض   في ليلة العيد والأحشاء تضطرب 

أتى المساجد مختالا بشرطته    يزهى بإقفالها إذا فتحها يجب

arArabic