ديسكورد منصة تواصل اجتماعية أميركية، صممت أساسا لتسهيل التواصل بالصوت والفيديو والدردشة المباشرة بين هواة الألعاب الإلكترونية على الشبكة العنكبوتية، طورها ستانيسلاف فيشنيفسكي وجيسون سيتورن عام 2015 مستفيديْن من تجربتهما المشتركة في تصميم لعبة “فيتس فور إيفر”.
وحتى سبتمبر 2025 بلغ عدد مستخدمي ديسكورد النشطين شهريا نحو 200 مليون شخص، و90% من المستخدمين يستعملونه للعب بمقدار تشغيل 1.9 مليار ساعة.
وعلى الرغم من شهرتها الواسعة بين مجتمعات ألعاب الفيديو عبر الإنترنت، فإن المنصة أصبحت فضاء أوسع للتواصل بين المستخدمين حول اهتمامات متنوعة، من الفنون والموسيقى إلى القراءة والنقاشات العامة.
النشأة والتأسيس
تعود البدايات الأولى لمنصة “ديسكورد” إلى عام 2012، حين أسس جيسون سيترون أستوديو ألعاب باسم “فينيكس غيلد” بهدف بناء تجارب تفاعلية تجمع اللاعبين حول ألعاب جماعية.
انطلق المشروع الأول للأستوديو بلعبة “فيتس فور إيفر” المخصصة للهواتف المحمولة، والتي شكّلت الخطوة التأسيسية لفكرة دمج أدوات التواصل مع بيئة اللعب.
تميّزت اللعبة بخصائص جديدة في ذلك الوقت مثل الدردشة النصية والصوتية أثناء اللعب مع المنتديات المدمجة، وهي المزايا التي أرست الأساس لولادة ديسكورد.
في مايو 2015، أدرك سيترون وفيشنيفسكي الحاجة إلى وسيلة أكثر موثوقية للتواصل أثناء اللعب عبر الإنترنت، فاستفادا مما اكتسباه من تجربة لعبتهما “فيتس فور إيفر”، وأطلقا النسخة الأولى من تطبيق جديد مخصص للمحادثات النصية والصوتية، حمل اسم “ديسكورد”.
كان التطبيق موجّها منذ البداية إلى اللاعبين على الحاسوب والهواتف المحمولة، وهدف إلى توفير بيئة تواصل متكاملة أثناء اللعب وبعده.
المميزات
تقدم منصة ديسكورد خدمات أساسية، منها المحادثات النصية والدردشة الصوتية ضمن فضاءات اجتماعية تعرف بـ”الخوادم” (سيرفرز) ينشئها المستخدمون حسب حاجاتهم، ويرسلونها لمن يريدون عبر دعوات مباشرة. ويتواصل الأعضاء داخلها عبر قنوات نصية مميزة برمز الهاشتاغ (#)، أو قنوات صوتية مميزة بأيقونة السماعة.
ويتيح كل خادم لأعضائه تخصيص قناة عامة للدردشة، وأخرى لتلقي الآراء، وأخرى للمحادثات الصوتية المباشرة، وأخرى لتبادل الأخبار والقصص، وأيضا لتنظيم محادثات جماعية مرئية، أو المشاركة في أنشطة ترفيهية.
وتعد القنوات النصية الأكثر شيوعا، إذ تسمح بتبادل الرسائل والصور والروابط وملفات “جيف”، في حين تتيح القنوات الصوتية للمستخدمين الانضمام والاستماع إلى محادثات جارية والتفاعل مباشرة، مع إمكانية استخدام الدردشة الكتابية بالتوازي.
ويمكن الانضمام إلى الخوادم عبر روابط دعوة أو عبر مشاركة الروابط العامة، في وقت يضع فيه مديرو الخوادم قواعد استخدام ويشرفون على ضبط المحتوى وحماية المجموعة من المواد غير اللائقة.
وتستوعب الخوادم الكبرى حتى نصف مليون عضو، مع سقف 500 قناة موزعة على 50 فئة.
وتطورت مجموعات وقنوات ديسكورد لتشمل ما هو أبعد من ألعاب الفيديو، إذ صارت الخوادم العامة شبيهة بمزيج بين منصتي رديت وسلاك، حيث يجتمع عشاق موضوعات محددة لتبادل النقاشات والصور والرموز التعبيرية، كما تستضيف بعض الشركات ومطوري الألعاب خوادم رسمية للتواصل المباشر مع المستخدمين.
ويمكن استخدام المنصة للتفاعل مع المجموعات أثناء متابعة البثوث على منصات أخرى، أو لتنظيم مجموعات المشتركين عبر ربط الحسابات مع يوتيوب أو باتريون.
وتتميز المنصة بإتاحتها أدوات برمجية تشتغل بشكل آلي (بوتز) يمكن استخدامها للترحيب بالأعضاء الجدد أو إدارة النقاشات أو تشغيل الموسيقى وغيرها من الخدمات المخصصة، وهي مفيدة للشركات في برمجة تنفيذ بعض المهام بشكل آلي.
كما تتيح المنصة نسخة مدفوعة تعرف بـ”ديسكورد نيترو”، تمنح إمكانية الانضمام إلى 200 خادم، بدلا من 100 خادم في النسخة المجانية، إضافة إلى تخصيص الأسماء المستعارة والإشعارات بحسب كل خادم.
محطات تطويرية
في ربيع 2016 أطلق ديسكورد خاصية التراكب داخل اللعبة على الحاسوب، وهي واجهة برمجية تظهر أعلى لعبة الفيديو وتوفر المعلومات الأساسية أو الوظائف التي يحتاجها اللاعب، مما سمح للاعبين بالتفاعل مع أصدقائهم دون مغادرة اللعبة.
وأضاف ديسكورد أيضا ميزة قائمة الأصدقاء للتواصل خارج الخوادم. كما أطلق واجهته البرمجية الرسمية “إيه بي آي” (API) لأول مرة، وأصبحت لاحقا الأساس لمئات الآلاف من التطبيقات.
وفي منتصف 2016 قدّم ديسكورد ميزة المكالمات الصوتية المباشرة عبر الرسائل الخاصة والجماعية، إلى جانب واحدة من أكثر مزاياه شعبية وهي إمكانية رفع واستخدام الرموز التعبيرية المخصصة داخل الخوادم.
ومع مطلع 2017 أطلقت خدمة ديسكورد نيترو التي تتيح للمستخدمين دعم المنصة مقابل الحصول على مزايا إضافية، مثل استخدام الرموز التعبيرية المخصصة في أي مكان وتعيين صورة رمزية متحركة.
وأضاف ميزتي مكالمات الفيديو ومشاركة الشاشة لجميع المستخدمين في الرسائل الخاصة والجماعية، كما طرح واجهة “الحضور الغني” التي تسمح بعرض حالة اللعب مباشرة على ديسكورد، مع تخصيصها.
ورغم أن شعبية ديسكورد اقتصرت في بداياته على مجتمع اللاعبين عبر الإنترنت، فإن قاعدة مستخدميه توسّعت على نحو هائل في جائحة كورونا (كوفيد-19)، إذ أتاحت المنصة للأفراد الحفاظ على مجتمعهم الافتراضي والتواصل أثناء فترات الإغلاق. وبعد رفع القيود، استمر الفنانون وصانعو المحتوى والمعلمون والشركات وفئات أخرى في استخدامه.
وفي عام 2022، حققت الشركة إيرادات بلغت 220 مليون دولار، في حين قدّرت قيمتها السوقية بـ5 مليارات دولار، ورغم نمو العوائد، لم تتمكن الشركة حتى ذلك الوقت من تحقيق أرباح فعلية.
وفي أواخر 2024 بدأ ديسكورد توفير الدردشة النصية والصوتية مباشرة داخل الألعاب، وكانت أولى الألعاب التي اعتمدت هذه الخاصية هي “باكس داي” و”أوميغا سترايكرز”.
في المغرب، فقد تحوّل تطبيق ديسكورد في 27 سبتمبر/أيلول 2025 من منصة للألعاب والتواصل الرقمي إلى أداة مركزية في تنظيم احتجاجات واسعة في مدن عدة.
فقد اعتمدت مجموعة شبابية أطلقت على نفسها اسم “جيل زد 212″ على التطبيق منذ المراحل الأولى للتحرك، ليس فقط للتواصل، بل لتخطيط أماكن المظاهرات ومواعيدها، وصياغة التعليمات للحفاظ على سلمية التحرك.
أنشأ القائمون على المبادرة مساحة رقمية خاصة باسم المجموعة، تضم قسما للإعلانات الرسمية ومساحة للتنسيق على المستوى الوطني، إضافة إلى غرف محلية لكل مدينة أو منطقة تعمل باعتبارها مراكز مصغرة لتبادل المعلومات وصياغة الخطط. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات، تحولت هذه المساحات إلى بنية تنظيمية رقمية أشبه بـ”غرف عمليات” افتراضية للتنسيق بين مختلف المناطق.
وبدأت المجموعات بعدد محدود من الأعضاء، لكنها شهدت نموا متسارعا تجاوز 150 ألف عضو، معظمهم من الفئة العمرية بين 15 و28 عاما، واعتمد المشاركون على آلية التصويت الجماعي داخل ديسكورد لحسم القرارات، إذ أجري في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2025 تصويت داخلي حول استمرار المظاهرات بعد اندلاع أعمال شغب، وانتهى القرار بمواصلة الاحتجاجات لليوم السادس على التوالي.
المصدر: موقع الجزيرة