الصفحة الرئيسيةثقافة \ أبحاث

ضرورة المصاحبة النقدية للمعرفة الصوفية ح6..الشيخ زروق وكتابه (عُدة المريد الصادق)

د . مولاي علي الخاميري – أستاذ جامعي – مراكش .

الحلقة السادسة : عودة إلى آراء الشيخ زروق الإصلاحية ومع كتابه الثاني : ( عُدة المريد الصادق….. )

أسباب هذه العودة كثيرة بعدما تطرقنا في الحلقة الثالثة من هذه السلسلة لما جاء في كتابه : ( إعانة المتوجه المسكين إلى طريق الفتح والتمكين ) وكنت أظن أنني أحطت بآراء الشيخ زروق فإذا بعيني تقع على كتاب آخر هو : ( عدة المريد الصادق ) فرأيت ضرورة العودة لأضيف ما لمسته من الجديد المفيد مقارنة بما سبق عنده ، وعند غيره كما مر في الحلقات السابقة .

أول ذاك الجديد هو حديثه عن مفهوم النفس وكيفية التعامل معها لدى المغاربة ، قال : ( وذلك أنهم – المغاربة – يرون غالب النفوس كالمعادن السبعة المتطرقة…..) وذكر من المعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والقصدير والزئبق ، وسأكتفي بذكر نموذجين من هذه التشبيهات ، لأنها في مجموعها ظلت مكانة النفس تترنح بين الجمال والقبح ، يقول عن النفس المتشبهة بالحديد : ( نفس كالحديد صالحة للنفع والدفع غير أنها مصحوبة بسواد الشهوات والمعاصي ، وقساوة الغفلات والكِبر ، فتحتاج إلى التطهير حتى تصير خالصة ، ثم إلى التليين حتى تصير منطبعة ، قابلة للخاصية الفضية ، ثم الخاصية الذهبية ، وهذه نفوس أكثر المغاربة من المصامدة ، ومن جرى مجراهم إلا من حفظه الله ، وقليل ما هم ) ويقول عن القصدير : ( نفس هي كالقصدير ، وفيه سبع علل ظاهرة ، وسبع علل باطنة ، هي في غرضنا معاصي الجوارح السبعة التي هي العين والأذن والفم والبطن واليدان والرجلان والفرج ، وأخلاق القلب السبعة التي هي الكِبر والبخل والحسد والحقد والحرص والطمع والهوى ، فإذا خلا من هذا صفا ظاهره بالتقوى ، وخلص باطنه بالإخلاص ، فلم تبق فيه بقية لغير مولاه ، بل صار فضة خالصة ، لا شوب فيها بالحقيقة ، فاعرف ذلك حقه – ص : 447\448\449) .

أما الموضوع الثاني فهو موضوع السماع والاجتماع كما سماه ، وقد تطرق إليه من زاويتين متجاورتين ، الزاوية الأولى هي تتبعه لأضراره عند غير العارفين به ، يقول عنه : ( وهو ما تسرع إليه نفوس الجاهلين ، وتولع به قلوب الغافلين ، وتؤثره توجهات البطالين ، وينتفع به ضعفاء المشرفين ، وتقف معه حقائق المجانين ، وترتاح إليه أكباد المفتونين ، وتميل إليه كليات الممتحنين ، وتنطبع معه أسرار المخدوعين ، وتربو إليه زوائد المستدرجين ، وتجنح إليه كليات المدعين ، وينقطع به جهلة المتوجهين ، وتتضرر به بصائر المريدين ، وتنقص به مواد العارفين ، وقد يتعلق به بعض الواصلين لإفادة غيرهم ، أو رفقا بأبدانهم ، أو موافقة للحال في وقتهم ، فهو موقف الأبطال ، ومزلة أقدام الرجال…… – ص : 536 ) .

هذا موقف عام للشيخ زروق من السماع ، وعندما ربطه بالمغاربة خصصه بقوله : ( وأما أهل السماع والوجد في هذه البلاد فقد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا ، لا تسمع إلا من يقول رأيت الحق ، وقال لي ، وفعل ، وصنع ، ثم تطلبه بحقيقة يمنحها ، أو بسر أفاده في شطحه فلا تجد إلا لذة نفسانية ، وشهوة شيطانية ، يصرخ على لسان الشيطان فيصعق ما دام المغرور الآخر بشعره ينعق ) .

أذكر القارئ بأن هذا النص قد مر بنا في الحلقة المذكورة أعلاه ، الخاصة بالشيخ زروق ، وقد أعدت إثباته نقلا من الكتاب الجديد لأبين مكمنا آخر ، بدأ يتشكل لدى الشيخ زروق ، ويتمثل في رؤيته لتصوف المغاربة عموما ، وهل يعتد به أم لا ؟ لن أجيب وسأترك الشيخ يتحدث بلسانه وحريته حتى أرى المشهد كاملا .

في تقديم المحقق الأستاذ إدريس عزوزي لكتاب : ( عدة المريد الصادق…..) يقول في الصفحة : 145 : (….وضَعَه – أي الكتاب – في التعريف بالبدعة ، ومحاربة البدع ، خاصة بدع الصوفية التي انتشرت في عصره ) .

الدافع المذكور لتأليف الكتاب من لدن الشيخ زروق يعد في نظري جديدا دعاني للعودة إلى الكتاب المذكور ، وأعتبره تركيزا وتخصيصا ، وتوقيفا له على تلك البدع المذكورة فيه ، وبدوري سأتتبع تلك البدع مرتبة ترتيب الكتاب ، وبحسب عناوينه كالآتي :

1 – التعصب للطريقة ، واعتقاد ما سواها ضلال في ضلال ، وهذه البدعة لدى متأخري المتصوفة نتج عنها ضرر كبير بالمعرفة الصوفية ، فبسببها انقطعت الصلة المعرفية بين الطرق ، وانعدم التجاذب والتفاعل والتكامل والانتفاع المتبادل ، وأوردها الشيخ زروق في صورتين سلبيتين ، الصورة الأولى تخص العوام حين قال في الصفحة : 549 : ( فمن ذلك تعلق كل طائفة من الناس بمن يواليهم من الأولياء كأبناء الفقراء بآبائهم وأسلافهم ، وأهل كل بلد بمن له شهرة فيها ، مختصة بجهتهم ، وجملة المنتسبين لمن تنتسب طريقتهم ، وغالب البطالين الذين لهم في إرادة المعالي قدم يستندون لأكابر المشهورين ، مثل الشيخ سيدي عبد القادر ، والشيخ سيدي أبي مدين ، والشيخ سيدي أبي يعزى ، والشيخ سيدي أبي العباس السبتي وغيرهم من المخبتين ، وهذا كله لا يخلو عن دسيسة عصبية ، أو رؤية مزية لأنفسهم ، حتى لقد رأيت من حال أهل مصر يعظمون ابن الفارط ، ويسبون الحاتمي….) .

وفي مكان آخر من الكتاب أورد لنا الصورة الثانية لتعصب المتصوفة لطرقهم المختلفة ، وإن استند في ذلك لأوجه تبريراتهم الخمسة ، القائمة على الإدلاء بنصوص تشجع على التعصب للطريقة ، أو ( أن يكون ذلك قد أخذوه عن ظاهر ، أو استنباط كسائر الأحكام…..) أو اعتبار المقاصد والأفضلية من جهة العلم والأحوال ، أو ( أن يكون معتمدهم في ذلك ما يجدونه من فتحهم ونورهم على زعمهم…..) والخامس هو ( تقليد مشايخهم من غير دليل واضح ، ولا برهان لائح ، ولا علامة فيهم إلا ما يرونه من اتساع الدنيا ، وكثرة الأتباع ، وصورة ما هم عليه مما هو مخالف لعوائد الخلق ، وهذا من باب معرفة الحق بالرجال ، ومن عرف الحق بالرجال أصبح في غاية الضلال ، أعرف الحق تعرف أهله ، وأهل الحق هم الذين أنصفوا الخلق في مراتبهم ، وجعلوا الأفضلية حيث جعلها الله من كمال التقى ، إذ قال تعالى : ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم ” وقال جل وعلا : ( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى……ص : 334\335 ) .

2 – هجر المتصوفة للأذكار الواردة شرعا وتخصيصا بالزمن والمكان ، واستبدالها بأخرى من ابتداعهم : فمن ذلك التسبيح بالغداة والعشي ، قد ورد التخصيص عليه بنص القرآن ، والسنة المطهرة ، وصحت أذكار مثل قول ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ” مائة مرة ، وقول ” سبحان الله وبحمده ” مائة المتفق عليهما ، الآتيين بصيغة من قال كذا ، ونحو كذا ، ومن ذلك تبديل الأذكار التي بعد الصلاة من التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين ، والختم ب ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، وغيره من الأذكار الواردة شرعا ، والأدعية المنصوصة عن الشارع حقا ، فبدلوا كل ذلك بأذكار عندهم استنبطوها ، لم يرد منها شيء في نصوص الشريعة إلا آية الكرسي ونحوها فيما أظن ، فكان ذلك منهم ابتداعا صريحا بالاستدلال المذكور ، لا بغيره…….) .

3 – ذكر شبههم في اختياراتهم المختلفة ، وهذا نوع من البدع بالزيادة ، أو الترك على أسس ليست من الشرع ( أما تقييدهم في قراءة الصلاة فسمعت من بعضهم ما يدل على أنهم قصدوا به مناسبة إعداد الصلوات ، وحركات الفلك ، فأتوا لكل وقت بما يناسبه ، وجعلوا الركعة الأولى فرقا ، والثانية جمعا ، وهو شيء يشبه الفلسفة ، فدخوله في الشرعيات لا عبرة به ، واعتبار ذلك من حيث الخاصية أيضا خارج عن الحق ) .

ومثل الشيخ زروق لذلك بقوله : ( هذه سورة البروج قد نص المشايخ على أن مداومتها في صلاة العصر تنفع من الدماميل ، وهي مجربة ، ولكن العبادة لا ينبغي أن تدخل في العادة ، فأبدلناها بعد الصلاة فانتفعنا بها ، واحترام الشريعة لا يأتي إلا بخير ) .

ومن عجيب منهج الشيخ زروق في التتبع أنه يوسع دائرة المناقشة لتشمل كل الأوجه الممكنة للتوضيح ، وبيان خطر البدع ، المرتكبة من أهل التصوف ، يقول في هذا الصدد : ( وقد نص العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يتعبد بمثل صلاة العيد ، ولا الخسوف ونحوه… مع أنه أثبته الشارع ، لكن في محل خاص ، فوجب أن لا يتعدى لغيره والله أعلم……ص : 344\345\346 ) .

4 – سأخالف ترتيب الكتاب للبدع الذي اخذته على نفسي من قبل لأحافظ على نسق استعراضها المتجانس قبل أن أختم بذكر أسباب شيوع البدع في المعرفة الصوفية كما ذكرها الشيخ زروق رحمه الله .

سأخصص هذه النقطة الجديدة لأقف بالقارئ على بدعة عظمى ، تتعلق بادعاء المشيخة بغير أهلية ، يقول الشيخ زروق في الصفحة 419 : ( ويُخاف على مَن تعلق به – الشيخ المزعوم – أن يُهلك في اتباع الجهلة ، أو يتبطل جملة لظنهم توقف الأمر على الشيخ مع اعتقادهم فقد هذه المرتبة ، وهو مما عمت به البلوى في هذه الأزمنة ) .

إنها بلوى عمت جميع الأزمنة الصوفية للأسف الشديد ، نعم الأمر استفحل كثيرا في العصور المتأخرة لعوامل متعددة ، منها انتشار الجهل ، وانزلاق المعرفة الصوفية إلى الحضيض ، وتزعم الجهلة للمجال الصوفي ، واختصار المضمون الصوفي في إثبات الكرامات المصطنعة ، والكثرة من أدوارها في الحياة ، وتوسيع رواجها بين الأتباع والناس بشكل ملتبس ومتعمد .

الشيخ زروق لم يكتف هنا بعرض الظاهرة المسيئة وإنما اقترح لها معالجات ، تنم عن فداحة الخطب ، يقول في توطئة عامة : ( اعلم أن كل من اعتقد جهة رأى مشيختها ، وظن أنها توصله ، فيتعين على من اعتقد له ذلك ، ولم ير نفسه أهلا لذلك ، ولم يجد عنها محيصا عنه خمسة أمور ) .

مَن تورط في مثل هذا الادعاء بصدفة ، أو دفع غير مقصود فعليه أن يتعامل مع الناس وفق تلك الشروط كماحددها الشيخ زروق ، وسأحاول اختصارها في الآتي : ( أولها أن يبين لمن تعلق به حال نفسه ، وأنه ليس بشيخ ، ولا يصلح للمشيخة ، ويظهر له دلائل ذلك من نفسه بما يسلمه ، ولا يرده حسب إمكانه ، ويدله على من يصلح لذلك أن علمه ممكنا له………الثاني أن ينزله منزلة نفسه في الشفقة على دينه ودنياه ، فلا يتركه لتساهل في الدين ، ولا لتضييق على النفس ، ولا لتوسيع عليها ، ولا لمخل بمروءة ، ولا لتضييع في دنيا ، ولا لإصرار في الحال ، بل يكون مرآة له يريه حسنه من سيئه…….الثالث أن يرفع عنه كلفته بغاية جهده ، بل يدفع عنه ما استطاع من الأمور اللازمة له حسب إمكانه ، فلا يكلفه بما يطيق ، لأنه مشغل له عما هو أولى به ، ولا بما لا يطيق إلا أن يجد عنه مندوحة ، ولا بما يجار فيه لأنه مشوش له…….
الرابع أن يتتبع جميع حركاته وسكناته بالنظر والبحث ، تارة بسؤاله عن حاله ، وتارة بالتفطن لدقيق حركاته ، وتارة بالالتفات لتقلب حالاته ، فلا يسمح له في شيء يخاف عليه عاقبته في دين ، ولا دنيا ، ولا يناقشه فيما لا يتعلق به أدب من حقوقه ، ولا يتم له ذلك إلا بمصافاة لا يكتم معها سرا ، ولا يعصي معها أمرا……ص : 412\420 ) .

دقة هذه المعالجة تظهر في كون المراد هو تبيان الحال الحقيقي للشيوخ المدفوعين ، لأن الشيخ زروق انطلق من حسن النية ، وظن أن المرء قد يُدفع إلى مرتبة الشيخ دون قصد منه ، وهذا مقبول ، ويدخل في باب الخطأ الممكن ، أما من تعمد ادعاء المشيخة وهو غير أهل ، وسلك في كل ذلك طرق التزوير والتلفيق ، فهذا النوع ليس مقصودا بكلام الشيخ زروق .

5 – ظهور المدعين للتصوف في زمن الشيخ زروق ، وفي غيره ، وهي ظاهرة تتكرر باستمرار ، ولعلها قد استفحلت في أزمنة التصوف المتأخرة ، وللوضع المذكور أسباب ودواع تطرق إليها الشيخ زروق في موضعين متباعدين من كتابه ، الموضع ورد في الصفحات : 406 إلى 408 ، وقد ذكر فيها أصناف المدعين ودوافعهم ، يقول : ( فمنهم من يدعون العلم بالسنة ويتعلقون بالأحاديث الباطلة ، ويحملون الناس على العمل بها ، فتنقاد لهم النفوس لغرابة ما أتوا به ، وعظيم ما يسمعون من ثوابه مع خفته……..ومنهم قوم يدعون مقامات الرجال وهم خلو من العلم والعمل والحال ، وإليهم يشير أبو الحسن الشاذلي رحمه الله حيث قال : ” عِشرة وأي عِشرة فاحتفظ بها إذا رأيت رجلا يدعي حالة مع الله تخرجه عن أمر الشرع فلا تقربن منه ، وإذا رأيت رجلا يركن إلى غير أبناء جنسه فلا تقربن منه ، وإذا رأيت رجلا يسكن إلى الرئاسة والتعظيم فلا تقربن منه ، ولا ترج فلاحه……) .

وحب الرئاسة المذكور على لسان الشاذلي باقتضاب فسره الشيخ زروق بكثير من التفصيل في الصفحة 259 ، يقول : ( حب الرئاسة والظهور مع الضعف عن أسبابها والقصور فيضطرهم ذلك لإحداث أمر يستميل القلوب لكونها مجبولة على استحسان الغريب مع جهلها بما يشين ويريب ، وحرصها على الخير ، وظهور هذا الشخص بصورة ذلك ، وحقائق منته مع ما يجري على يده من خوارق شيطانية ، أو يبدو لتابعه من لذة نفسانية ، أو يدركه من أذواق طبيعية ، يظنها فتوحا وأسباب وصول ، فينبذ بها الفروع والأصول مع ما يعنيه ذلك من احتقار الأمور المألوفة ، واعتقاده أن المقام العجيب لا يدرك إلا بالأمر الغريب ، وأن العبادة في صورها ووجوهها لا تفيد المقصود إلا بإضافة أمر إليها فينقاد لذلك عند ظهوره ، ويعمل به فيجتهد له بذلك ، ويتقوى عليه بما يظهر له من ذلك ، وما هو إلا الجهل ، والانقياد للوهم ، وعدم التثبت للفهم نسأل الله السلامة بمنه وكرمه ) .

أما الموضع الثاني فهو مما ورد من قول في الموضوع على طول الصفحات : 257\258 ، وركز فيه على نقص الإيمان ، والجهل بالطريقة، يقول : ( أولها نقص الإيمان لعدم العلم بحرمة الشارع ، وفقد نور الإيمان الهادي إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ” وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتقرق بكم عن سبيله”…….الثاني الجهل بأصول الطريقة ، واعتقاد أن الشريعة خلاف الحقيقة ، وهذا هو الأصل الكبير في ذلك ، وهو من مبادئ الزندقة ، ومنها خرجت الطوائف كلها ، وصار الفروعي الحامد لا يتوقف عن سب الصوفي والمتصوف الجاهل ، لا يتوقف عن النفور من العلم وأهله ، ويخالف ظاهر الشريعة في أمره ، ويرى ذلك كمالا في محله……..) .

استقصاء لأسباب ادعاء التصوف يضاف إلى ما قاله عن ادعاء المشيخة بلا علم ، وهما بابان تأذى منهما التصوف كثيرا إلى حدود اليوم ، والصنفان يظهران في كل زمن بحيل جديدة ، ولأغراض دنيوية محضة ، ولعل هذا من عوامل الإكثار من ادعاء الكرامات في العصور المتأخرة والتركيز عليها ، واختصار معاني التصوف فيها بتفنن ماكر وواضح يناسب مقدار الجهل المنتشر بين الشيوخ والمريدين والأتباع ، وسنرى أمثلة لذلك في الحلقات المقبلة إن شاء الله تعالى .

6 – البدع العملية : أقصد هنا ما أحصاه الشيخ زروق على المغاربة من بدع عملية في أمور الصلاة والزكاة والحج والجهاد والأذكار وغيرها ، وهو باب كبير ختم به كتابه : ( عدة المريد الصادق….) وسأقتصر في حديثي عما يخص جزءا من بدع الصلاة ، ولمن يريد الاطلاع على الموضوع ، والتوسع فيه فليراجع الصفحات : 584 إلى 406 ، يقول : ( ومن البدع الإضافية قول المؤذن قبل الإقامة أستغفر الله ثلاثا ، وهذا شيء يفعله الجهال ببلاد المغرب ، والتسميع حيث لا يُحتاج إليه ، وفي صلاة فاعله حيث يحتاج إليه أربعة أقوال ، وفي صلاة المصلي به ثلاثة ، هذا إن كان يأخذ من لفظ الإمام ، وإلا فلا حديث عليه ، ورأيت من يكبر للناس وليس معهم في الصلاة ، وقد ذكر بعض العلماء أن صلاة المقتدى به مع ذلك باطلة ، والشافعية يسمونه المبلغ فلا يشترطون فيه كونه في الصلاة…….) .

مثل هذه المخالفات لم تعد تمارس في الصلاة في وقتنا بسبب ارتفاع وتيرة الوعي والعلم عكس ما كان عليه الأمر في السابق ، ولكن اللافت هو إصرار المؤلف على نسب ذلك للمغاربة ، وليس في هذا المكان فقط ، وإنما في أمكنة عديدة في كتابه ، ومن تعليقاته اللاذعة قوله في الصفحة 563 بعد ان اجتمع بمدعي المشيخة من المغاربة : ( ثم قال : وما تخيلت أن يكون هذا في بلاد المغرب….) مما يحير القارئ ويدفعه لطرح بعض الأسئلة ، منها : هل ما ذُكر في الكتاب من بدع هو خاص بالمغاربة فقط ؟ وهل كتاب ( عدة المريد الصادق ) يعد تأليفا متعلقا بالمعرفة والممارسة الصوفية المغربية فقط ؟ مع أن مضمونه يصلح للاستدلال به على كل تجارب التصوف ، في المشرق والمغرب ! .

أسئلة تحتاج إلى تتبع وتمحيص مركز ، أتمنى أن يلتفت إلى الموضوع بعناية وعلم وإنصاف مَن له أهلية العلم ، وقدرة القراءة والتحليل من الدارسين والباحثين .

( يتبع )

arArabic